السؤال الملح: ما هي الحياة؟

جوابنا على هذا السؤال يبدأ يوضح إلى أي مدى نحن نختلف. إننا بعد التمعن فيه نختصر الطريق ونجيب: من يدري؟ أو نحمل الإجابة كل همومنا وشكوانا ونقول: إنها خدعة.. إنها دنيا فانية.. إنها حلم وسراب.. وأبدا لن نظفر بجواب بسيط لهذا السؤال البسيط.

من آسيا يأتيك الجواب: الحياة فترة محدودة من الزمن، يقضي فيها الشخص ثلثها على الأقل لينضج ويتعلم، وثلثها لينتج، وثلثها نائما أو مريضا أو يعاني من العجز والشيخوخة، إن هذه الإجابة على بساطتها تحدد على الفور ليس فقط معنى الحياة، وإنما موقف الإنسان منها بل وأهدافه ووسائله أيضا. إنها تعني أننا لا نعثر على حياتنا صدفة ولا نضيعها صدفة وإنما بإرادتنا نوجدها وبإرادتنا نحياها، بإرادتنا تكون غنية الغنى كله وبإرادتنا أيضا نفقرها كل الفقر. الهدف الحياة والإرادة وسيلة التحقيق والخطوة المنطقية التالية هي تحديد مسلك الإرادة، أو بمعنى أبسط: الخطة.

لا حياة إلا بخطة ولا طريق للوصول لأتفه الأهداف إلا بخطة، لهذا فقد روعني حقا أن الأمور لا تجري في هذا الجزء من العالم اعتباطا.. ليس على مستوى الأمم إنما حتى على مستوى الأفراد، بل إن التخطيط للآن هناك ينبع أصلا من جنوح الفرد للتخطيط لحياته، وكان أول لقائي مع هذا التخطيط الفردي مع فتاة في الـ28 سألتها سؤالا عابرا عن عملها، وجر السؤال إلى سؤال وإذا بي أظفر بحكاية غريبة ظللت أقلبها بين يدي لا أكاد أصدق. الفتاة كانت منذ 12 عاما تلميذة في المدرسة، وكان لهم جارة في البيت تملك محل «كوافير» للسيدات وكانت أمها ترسلها في أوقات فراغها من الاستذكار لتعمل في المحل، لقاء بضع «ينات». كانت وقتها في الـ16 من عمرها ولقد أعجبها جو العمل ووظيفة الحلاقة والمركز المرموق الذي تتمتع به صاحبته، إلى درجة أنها قررت أن تصبح هي نفسها صاحبة محل كوافير، وأن تحلم فتاة مثلها بشيء كهذا مسألة طبيعية تحدث في أي مكان، أما غير الطبيعي فهو أنه منذ تلك السن الصغيرة التي لا تجيد الفتاة فيها غير التفكير في الحب وعلامات الشباب، بدأت صاحبتنا ترسم «خطة» لتحقيق هذا الهدف وبالحساب الدقيق أدركت أنها بحاجة إلى 12 عاما من العمل المستمر والتوفير لكي تحقق خطتها.

أما العجيب حقا فهو أن تنفذ الخطة بإحكام شديد، وأن يتوفر لها بعد هذه السنين الطويلة المبلغ اللازم لامتلاك محل وتجهيزه بمبلغ لا يقل عن عشرة آلاف جنيه بأي حال. وأن تنهي كلامها لي قائلة: وفي أول يناير 71 بالضبط سيكون قد تم تجهيز كل شيء وسيفتح المحل.

ظننتها أول الأمر فتاة غير عادية، ولكني ما قابلت بعدها أحدا إلا وأدركت أن مركزه الحالي أو نوع الدراسة الذي يقوم به أو ما وصل إليه لم يكن أبدا إلا وليد خطة دقيقة وضعها مسبقا ونفذها بإصرار غريب، ولم يحد عنها لأي سبب من الأسباب. إن الصدفة والتلقائية لا تلعب أي دور في حياة الفرد الياباني. صحيح قد تضيع كل تدبيراته نتيجة أمر لا دخل له فيه.. ولكنه هو عليه أن يدبر.

1972*

كاتب وروائي ومسرحي

1927 ـ 1991