يلعب الإعلام دورا أساسيا في نقل صورة عن المجتمعات التي يمثلها والدول التي تحتضنه، والتي يفترض أنها تستهدف إيصال رسالة إيجابية مدروسة، تعزز التوجهات الوطنية وتخدم التطلعات والاستراتيجيات في إطارها الشامل، الذي يعكس رؤية الوطن وطبيعة سياساته الداخلية والخارجية في القضايا ذات الصلة.

لكي يحقق الإعلام رسالته الوطنية المستهدفة، فإنه معني بتوفير كوادر وطنية مؤهلة وقادرة على إدارة وسائله المختلفة، ومتمكنة من تكليف المسؤولين ومتابعة الإدارات المسؤولة عن نشر الأخبار والتغطيات المعنية بقضايانا، وتقييم مدى نجاحها في تقديم رسالتها، بأسلوب وصياغة مدروستين للخطاب الإعلامي في تناوله لجميع شؤوننا الداخلية والخارجية؛ ليسهم الإعلام بدوره في معالجة كثير من القضايا المطروحة على الساحة وينجح في التصدي لها بكفاءة مناظرة، وذلك يتطلب- أحيانا-حنكة ودراية ومعرفة بملابسات الأمور وبخلفياتها المتشعبة، وما تستهدفه من تأثير مقصود وتوجيه للرأي العام نحو أهداف معينة.

عندما تجد أن كثيرا من وسائلنا الإعلامية سواء الوطنية منها أو المحسوبة علينا؛ تناقش موضوعات حيوية وتحلل قضايا مهمة، بسطحية وارتجالية لا تناسب أهمية الحدث، بل وتتناول استعراض مواقف دولية تمس رموزنا الوطنية وتناقش مصالحنا الداخلية والخارجية؛ بأسلوب دفاعي تبريري عن اتهامات مسيسة ضعيفة وملفقة تلصق بنا من إعلام دولي محترف، يستهدف خدمة مسؤوليه، أو نلاحظ أن هناك تدخلا في قضايا تتعلق بأمورنا الداخلية وسيادتنا الوطنية؛ فإننا ندرك أننا نحتاج إلى تغيير نهجنا الإعلامي المتبع في التعامل مع قضايانا الحساسة بصفة خاصة، وما يتطلبه ذلك من تطوير لأدواته ولصياغته ولسياساته المنفذة وللغته الموجهة؛ ليكون الأداة السريعة والقوة الناعمة الأكثر نفاذا والأقوى تأثيرا في خدمة أهدافنا الاستراتيجية وتطلعاتنا الوطنية.

تغيير النهج الإعلامي القائم وتطوير السياسات الخاصة به؛ يتطلب وجود كوادر وطنية متمكنة معرفيا ومهاريا، تحمل الهم الوطني وتشعر بمسؤولياته وتطلعاته، وتحرص على متابعة مجريات الأحداث داخليا وخارجيا، وتهتم بما يتعلق بها من تحليلات موجهة وأسلوب مهني قادر على النشر الهادف؛ وبما يمكنها من تقديم رسالتها الإعلامية بصياغة وبمحتوى يقارع الإعلام الآخر بالبيانات الأقوى حجة والأكثر تأثيرا، وبما يُسهم في استقطاب الرأي الآخر، وتوجيه دفة الرأي العام للمجتمعات ولصناع القرار نحو مصالحنا وقضايانا المنظورة.

التمكين من البيانات والمعلومات في جميع القضايا، ومتابعة تطوراتها بصفة مستمرة، لا شك أنه يولد الثقة والقوة والقدرة على المجابهة والتصدي، كما أن تعزيز مساحة الحرية الإعلامية في مناقشة قضايانا وتناولها بأوجه متعددة من التحليل، وبما لا يتعارض مع مصالحنا الوطنية؛ يُسهم في وضوح الرؤية وكشف الحقائق والاختلالات عند تناولها بشفافية، بهدف الإصلاح والمعالجة الناجحة عند تعاطينا مع قضايانا المحلية والدولية.

عندما يرتكز الإعلام على قاعدة وطنية صلبة من المقدرات والإمكانات التي تخوله لأن يتفوق ويبدع في العطاء، فإن التميز في الأداء والقوة في الاقناع، لا بد وأن يكون ديدنه وأسلوبه في تناول القضايا المختلفة، إذ إن ما تتمتع به السعودية- بفضل من الله- من مكانة إقليمية ودولية متميزة لم يأت من فراغ ولم يكن صدفة؛ فقد أثبتت المملكة من خلال سياساتها الداخلية والخارجية أنها أهل لما حققته من مكتسبات؛ فهي حامية وخادمة للحرمين الشريفين بجدارة واقتدار لعقود طويلة، بما تسخره لهما من نفقات وإمكانات، وما توفره من تسهيلات وخدمات مختلفة لكافة المسلمين من الزائرين والحجاج والمعتمرين، وبما تكفله من أمن واستقرار على أرضها لجميع المقيمين فيها، علاوة على ما تسهم به على الصعيد الدولي من دعم سخي ومستمر لمشاركات إنسانية وتعاون كبير في جميع ما يتعلق بتحقيق الأمن والسلام العالمي، وفي النهوض بالتنمية البشرية لكافة الشعوب من دون تمييز بين جنسياتها وأديانها المختلفة.

على الصعيد الوطني، فإن السعودية الجديدة، التي أبهرت العالم برؤية طموحة ومنجزات يترجمها واقع نعيشه على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومكتسبات تحققت في سنوات قلائل تضاف إلى منجزات الوطن ومسيرته التنموية، حتى أصبحت شريكا رئيسا ولاعبا محوريا في اتجاهات السياسة الدولية، وفي رسم معالمها الاقتصادية نحو مستقبل أفضل للبشرية ولمصالح عالمية مشتركة؛ فإن ذلك جميعه يثير غضب وحنق وغيرة كثير من الدول الحاقدة، سواء المتربصة منها والتي استمرأت التشويش للتقليل من تلك المنجزات والعمل على إفساد ثمارها، أو تلك المستبدة التي وجدت في الابتزاز السياسي وسيلة للمراهنة على مصير الشعوب ومقدراتها، من خلال سياسات متغطرسة لا تخدم المصالح الدولية.

حجم الإصلاحات التي شهدتها الساحة الوطنية على كافة الأصعدة والمجالات، أسهم في تحقيق قفزات تنموية يسجلها التاريخ وتتابعها الدول من كثب؛ مكنتها لأن تنافس كثيرا من الدول المتقدمة في مكتسباتها التي بنتها عبر سنوات طويلة، لا شك أن ذلك يقلق البعض ويزعجه، بأن تكون هناك دول قوية تعتز بسيادتها الوطنية واستقلالها وبمنجزاتها العالمية التأثير، وذلك كجزء من عملية التنافس الدولي نحو الاستئثار بالسيادة والسيطرة المتفردة، في توجيه السياسات الاقتصادية العالمية، والتي تمثل السعودية فيها رقماً صعباً لا يمكن تجاهله.

من تلك القاعدة الوطنية الراسخة بمقوماتها القوية، والثرية بممكناتها ومكتسباتها؛ ينطلق إعلامنا في الفضاء الداخلي والخارجي ليعكس صورة الوطن المشرقة، وينقل إيجابياته ومكامن قوته من خلال؛ رسالته الإعلامية الواعية والمدروسة بمستهدفاتنا الإستراتيجية وتطلعاتنا المستقبلية، بما يخدم الصالح الوطني ويحترم رموزنا الوطنية ويقدر سيادتنا القومية في إطار من الشراكة العالمية.