ثمة أشخاص لا يملون الحديث عن الإعلام الخارجي، مشيدين به حد التمجيد، وكأن ذلك الإعلام أفلاطوني قائم على الحقائق فقط مجرد من أي أهواء أو رغبات أو تطلعات يريد تمريرها في تلك الوسائل. مطالبين بمحاكاة تلك النماذج والضغط على إعلامنا وسلطتنا الرابعة بتبني ذلك النهج التحريري تحت ذريعة «مهنيتهم»، متناسين أن القاعدة الأساسية لكل وسيلة إعلامية وجود أجندة. ولا نعني هنا بهذا المصطلح أن الأجندة ترتكز على أهداف غير نبيلة، ولكن هي أشبه بالأهداف المراد تحقيقها من قبل الوسيلة الإعلامية، لذا فإن الإعلام الغربي يسير ضمن ذلك الفلك. فهو مؤدلج ويخدم توجها محددا، وبالتالي تصويره بأنه محايد وغير منتم سوى للحقيقة لا يعدو كونه «وهما».

كوريا الشمالية توجه صواريخها النووية لأمريكا وتمارس تفاصيل الديكتاتورية في الألفية الجديدة. إيران تمتهن تخصيب اليورانيوم وتستمتع بدعم الإرهاب. «حزب الله» وجملة اغتيالات وعبث بالمنطقة. صواريخ عشوائية من ميليشيا الحوثي. صمت مطبق على انعكاسات فضائح سجن أبو غريب. تغيب مشهد الصراع العنصري في الداخل الأمريكي والقائمة تطول!

من خلال تلك النماذج اللامهنية من قبل الإعلام الغربي نجد أنهم يجيدون حياكة القصص تجاه من يعادونه أو بمعنى أدق «يشيطنون» من يختلف حول توجهاتهم أو ينافسهم، بل ويجيدون القيام بتلك الممارسة بأساليب مبتكرة وذكية، ويكمن إبهارها بأنها تقدم بطرق غير مباشرة يسهل على المتلقي البسيط تلقيها. حتى حديثهم للداخل يمارس من خلاله انتقائية وتعبئة نحو توجه محدد مما يشكل جماعات رأي وضغط بنيت على معلومات مضللة، خصوصا وأنهم يدركون أن جمهورهم الداخلي لا يعلم ما الذي يدور في الإعلام المخالف.

تلك الشيطنة لا تقتصر على المواد الجادة أو ذات الصيغة الإخبارية والسياسية فحسب، بل تنسحب أيضا على صناعة الترفيه. وتحديدا عبر صناعة السينما، حيث شاهدنا العديد من الرسائل التي تمرر بطرق غير مباشرة وتحمل أجندة واضحة وصارخة نحو شيطنة بعض الكيانات والأشخاص. خصوصا وأن صناع ذلك المحتوى يدركون حجم ما يحدثه الترفيه من تأثير على العقول. كيف لا وهو يخاطب في غالبه فئة الشباب، وبالتالي فإن صياغة الرسالة بشكل ممنهج ورسوخها في ذهنية الشاب المتلقي يضمنان استدامة هذا التوجه لذلك الجيل لسنوات عدة.

ومن ثم لا يمكن قراءة المؤسسات الإعلامية الخارجية بشكل عابر دون التوقف عند كثير من المعطيات، فالحديث في ظاهره أن تلك المؤسسات عبارة عن كيانات اقتصادية مستلقة في حد ذاتها إلا أن الواقع يخالف ذلك تماما، فهي وإن كان الكثير منها قطاعا خاصا من حيث الربحية، إلا أنه لا يبتعد عن كونه أدوات مهمة للحكومة. وقد شاهدنا حكومات غربية عدة تمول كيانات إعلامية خاصة بأساليب غير مباشرة، وتحديدا عبر بوابة الأحزاب السياسية. وبالتالي فإن تلك الوسائل لا تحيد عن توجهات بلدانها أو حزبية من يدير تلك الحكومات الغربية.

ومن الممارسات الفجة إعلاميا في العديد من القنوات الغربية، تلوين المعلومة بالرأي بطرق ملتوية. كأن تنتقي الضيوف في تعليقهم على الأحداث، فهم يوصلون للمشاهد بأن ما قاموا به هو فقط استشهاد بآراء خبراء، بينما من يشاهد ما بين السطور يعي أن انتقائية الضيوف في قضايا معينة لها دلالات تحمل في ثناياها أجندة تلك الوسائل. وانتقائية الضيوف تصنع لنا بيئة خصبة استوطنتها كثير من الأبواق العربية المشردة التي باعت أوطانها وأصبحت ثلة مرتزقة على موائد تلك القنوات، حيث لا يتجاوز دورهم سوى الردح وتفريغ كراهيتهم مقابل حفنة من المال.

يقول جوبلز وزير الدعاية «إنك تستطيع أن تكذب على بعض الناس لبعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت».