في مقطع فيديو تلقيته من أخي الأكبر من مدينة الرياض، يظهر به حركة تجريبية لإحدى عربات (قطار الرياض)، مرورا بالقرب من مركز الملك عبدالله المالي -رحمه الله-. وهذا المقطع والذي لا يتجاوز نصف الدقيقة، إلا أنه يوصل لتخيل مستقبلي لوضع مدينة كمدينة الرياض، والتي تصنف كأحد أكبر المدن حول العالم في نسبة توسع النطاق العمراني بها، فأتذكر أنه قبل سنوات لم تتجاوز الـ15، وأثناء وجودنا في سماء الرياض على إحدى الرحلات الجوية المغادرة أو الواصلة، نرى برج المملكة حاليا و(شارع العروبة) بالتحديد وكأنه الحد الشمالي لتلك المدينة، أما الدائري الشمالي فلم يكن أغلبه سوى «برّان» للنزهة، واليوم طريق العروبة وبرج المملكة أصبحا وسط المدينة، والدائري الشمالي لم يعد هو الشمال، فأصبح شمالا منه العديد والعديد من الطرق المنشأة والأحياء الجديدة كليا في الـ10 سنوات الأخيرة.

ومن يذهب للرياض من خارجها، ويقرر أن يمتطي مركبته لشراء حتى «شاورما»، يعلم مدى الضغط المهول على الطرقات هناك كلها بلا استثناء، سواء داخل الأحياء أم بينها أم حتى الرئيسية والسريعة.

فمثلا إن كنت طالبا جامعيا وتتنقل من جنوب الرياض لجامعتك بشمال الرياض مثلا، فتحتاج يوميا ما لا يقل عن ساعة للذهاب وساعة للإياب، وهذا يعني أنك أمضيت من وقتك قرابة الـ 40 ساعة في الشهر وأنت «متيبس» خلف المقود، فلم تذاكر أو تحضر للعمل أو حتى على الأقل تكون مسترخيا بعد وصولك للتعليم، فما بالك إن كنت موظفا أو من أعضاء هيئة التدريس أو.... أو.... من الأعمال التي تحتاجك وأنت بكامل طاقتك، وليس مستنزف الطاقة في «جهاد الشوارع».

أعاد هذا المقطع الذاكرة لنا باستخدام قطارات مشابهة في إحدى العواصم الأوروبية الصغرى، وكيف أننا في تلك المدينة لم نحتج المركبة المتوقفة أمام البيت والمتوقفة وكأنها «زينة»، فاعتدنا على المشي صباحا إلى محطة القطار، واعتدنا أن ننظم أوقاتنا، وبمجرد ركوبنا في العربة، نسترخي طوال التنقل فنحتسي القهوة الصباحية والعصائر المسائية «برواقة»، ونغمض أعيننا ونستمع للموسيقى، وإن كان لدينا ما ننجزه على أجهزتنا المحمولة فالمكان مناسب، والأهم أننا نصل إلى وجهاتنا ونحن بكامل طاقتنا ولم يستنزفها خوف التعرض للحوادث أو «حرب الشوارع»، ولسنا مشغولين بتوفر مواقف من عدمها، وفي نهاية المدة لم نصرف حتى 10% من المصروفات التي كنا سنصرفها لو كنا نستخدم مركباتنا، فالبنزين والزيوت و«الكفرات»، وكل المواد الاستهلاكية من المعروف أن معدل استهلاكها لدينا في المملكة من الأعلى عالميا نسبة وتناسبا مع عدد السكان، نظرا لاتساع رقعة مساحة ممكلتنا، وعدم توفر البديل لنا.

فأتمنى أن نرى مثل هذا المقطع في جميع مناطق المملكة بلا استثناء خلال السنوات القليلة القادمة، وبالتأكيد أن بقية المناطق ليست بالتحديات نفسها التي واجهها مشروع (قطار الرياض) وبالتالي فمدة الإنشاء ستكون أقل بكثير، وما ظهر في هذا المقطع من الحركات الأولى لهذه العربة، وكأنها الحركة الأولى لجنين في بطن أمه، سيخرج للحياة ويغير بها، وكلي أمل أنها ليست سوى الخطوة الأولى في (بداية تحول تاريخي للمواصلات) في المملكة.