من حسن الحظ أن نكتشف قيمة الكتابة، ليس لأنها تكشف من خلال النقد، أو تصلح من خلال الكشف، أو تضيء من خلال تسليط الضوء على ظاهرة أو فكرة أو معلومة أو حدث، وإنما لأن الكتابة حياة وعلاج في آنٍ معاً. حين نكتب فإننا نتنفّس من جديد، من خلال الحروف والكلمات، عبر سحر الكلمة وضوئها، وبريق الفكرة ولمعانها وإغرائها. بدخول شهر مايو تتم على زاوية كاتب هذه السطور غفر الله له سنوات خمس، بدأت بـ2007 وها هي تستمر بمتابعة القراء ومساهماتهم الثرية. كانت الزاوية مساحةً للنبض ونثر الأفكار والآراء، ونشر الانتقادات، زاوية استمرت بقرائها، بتعليقاتهم الغنية، وبتصالحهم مع الذي أطرح أو حتى خصومتهم له، فالطرح ليس مقدساً ولا منزهاً.

الكتابة هي محاولة دائمة لا تكتمل، ويقال إن الذي يريد أن يكتب شيئاً كاملاً لن يكتب شيئاً، لهذا من أشق الأشياء على المؤلفين والكتاب أن يكثروا من التنقيح في الكتب والتعديل عليها، حينها يصاب الكاتب بوسواسٍ من الذي كتب، فيكرّس التعديلات التقنية القوية الصارمة وتذهب عفوية الكتابة وجمالها. الكتابة في الزاوية أيضاً هي محاولة دائمة، نستمر بالمحاولة مكتشفين أو غاضبين، وهذه الزاوية تحمل مشاعر كاتبها، تارةً تكون متفائلةً وأخرى تهزمنا الأحداث بقتامتها، وثالثة نوارب بين الرؤية المتفائلة والمتشائمة، على طريقة "المتشائلين"، لكنني ما أردتُ إلا الخير ما استطعت.

ذكرت هذه الزاوية أسماء ومقولات وأحداثا، وعاصرت سقوط أنظمةٍ وتحولاتٍ اجتماعية كبرى، ولم تكن الزاوية لتقدم الحلول الصارمة، أو الإنقاذ التاريخي على طريقة الأيديولوجيين الحديين، بل الزاوية هي تغطية للواقع، مناقشة حدث، أو فحص معلومة، أو إبداء رأي، أو التعبير عن موافقة ظاهرةٍ أو مخالفتها. هذه الزاوية نبعت من مجتمعي، من أحداثه ومن محيط مجتمعي الإقليمي، لهذا أحتفل بها، بمرور هذه السنوات من عمر مساحةٍ يكتب فيها -غفر الله له - حروفاً توضع بين يدي القارئ.

لنجرب الكتابة، بوصفها العلاج والترياق لأنفسنا وذواتنا، قبل أن تكون إضاءةً للمجتمع، فهي مساحة للبوح والتصريح، واكتشاف متعة الكتابة وإبهار احترافها جزء لا يتجزأ من اكتشاف الذات وهواياتها. هذه الحروف الثمانية والعشرون، هذه اللغة العربية الفصيحة هي التي تعالجنا، لأننا نعبر حتى لا نيأس، ونكتب حتى نحيا، ونحيا بالكتابة حتى لا نموت.