هذا العام دخل مايو "حزينا باكيا"، يحمل في عينيه نبأ رحيل الملحن السعودي صالح الشهري من هذه الحياة "هادئا صامتا"، بعد صراع طال أمده مع المرض، تاركا لإحساسه وفنه أثرا بل آثارا في وجدان مجتمع عاش فيه، وذاكرة وطن نبت من أرضه، عبر عدد لا يكاد يحصى من أعمال لا تهترئ أو تبلى بمرور الوقت.

عاش الملحن الكبير متألقا وكبيرا. كان مدرسة حقيقية. لم يكن ملقنا لألحانه، بل كان يعطي اللحن والدرس معا.. ينقل الحسّ والتجربة معا.

الراحل الذي ولد في القنفذة غرب السعودية، كان أول أقداره هو أن يكتشف موهبته بل ونجوميته في الجهة المقابلة لمسقط رأسه، حيث اجتمعت المعطيات "جغرافيا واجتماعيا ومناخيا" لخروج عملاق الأغنية السعودية (صالح الشهري).

ومن أمثلة ذلك، حين تعرف في بداياته على مطرب ونجم خليجي مثل علي عبدالستار، وسنحت له الفرصة لأن يعرض ألحانه لعبدالستار، ما أسفر عن ولادة "يا ناس أحبه".. بعد عامين من أول لقاء، وهي الأغنية التي يربطها الراحل دوما بانطلاقته وقال: "مع هذه الأغنية بدأ الناس يعرفونني".

لا أعرف لماذا تذكرت كلمة فوزي محسون الموجعة، حين أعلن هاجسه الكبير بكل صراحة: "أخشى أن يدركني الموت والناس لم تعرفني بعد".

إن رحيل هذا الرمز المهم في الأغنية السعودية والعربية، جدير بأن يدفعنا لإعادة النظر في رموزنا الفنية. في أولئك العظماء الذين ليس لهم ذنب في عدم تثمين قيمتهم سوى أنهم كانوا فنانين حقيقيين في مجتمع لم يدرك بعد قيمة الفن وأبعاده الإنسانية والوجودية.

سوف نذكرك كثيرا يا صالح الشهري.. رمزا وعلامة فارقة في جيلك ومرحلتك، مهما كانت إجابة المجتمع محبطة على سؤال: من هو صالح الشهري؟

وليرحمك الله، مثلما نذرت العمر لبهجة كنت تغزلها من روحك الطيبة مواساة للناس.. للذين يبحثون عن أغنية في كل مكان، لمواجهة الكآبة والحزن وقسوة الزمن.