تحدثت في مقالي السابق عن مدى أهمية مهنة المحاسبة والمراجعة، وتأثيرها في قطاعات الأعمال كافة، بجانب إسهامها الفعال في تمكين صانعي القرار من اتخاذ القرارات، إضافة لدورها القيادي البارز، في دعم وتعزيز مقومات الاقتصاد الوطني، وبالتالي الإسهام بصورة فاعلة في التنمية، بمفهومها الشامل، والمستدام.

واستمرارا للعملية التطويرية جاءت موافقة مجلس الوزراء التي صدرت مؤخرا على اعتماد نظام مهنة المحاسبة والمراجعة، ضرورة حتمية، وتماشيا متوقعا مع التطور الذي حدث في مختلف بيئات الأعمال التي شهدتها المملكة، وما تبع ذلك من تناغم كبير، في عدد المؤسسات والشركات، وهذا بدوره أدى إلى زيادة ملحوظة ومضطردة في حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية في مختلف مناطق المملكة، والتي تستهدف تغطية الاحتياجات والمتطلبات المتنامية في السوق السعودي.

كل هذه المعطيات، تطلبت إحداث عدة تعديلات على الأنظمة والتشريعات بهدف مواكبة التطور الملحوظ، وستؤدي هذه التعديلات إلى المساهمة في زيادة عدد المحاسبين القانونيين، وكذلك تنظيم عدة مهن مرتبطة بمهنة المحاسبة والمراجعة، سواء كان ذلك الارتباط بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.

ويمكن أن نرى في النظام الجديد جهود العملية التطويرية بصفة عامة في المملكة كما في مهنة المحاسبة بشكل خاص، فالنظام الجديد يعضد من دور الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين (الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين سابقا)، باعتبارها الجهة الرسمية التي تعمل على تطوير، وتحسين مزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة، والنهوض بها، ومراقبة أدائها، وتنميتها، وذلك نسبة إلى أن النظام يعد مرتكزا أساسيا لتطوير مهنة المحاسبة والمراجعة، وتطويرها، ودعم موثوقية تعاملاتها المالية لزيادة الثقة، والشفافية، لسهولة أداء الأعمال في المملكة.

وإذا ما تطرقنا إلى بعض تفاصيل النظام الجديد، نجده قد تضمن عددا من المزايا الهادفة، والتي تتسم بالمرونة الداعمة لبيئة الأعمال، أبرزها: فصل نظام المهنة، وأصبح هناك نظام خاص بالهيئة، وهذا توجه عام نجده عند الدولة، حيث يوجد نظام للمحاسبين ونظام لهيئة المحاسبين والمراجعين، بجانب الترخيص لمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة لغير المتفرغين، بعد أن كان النظام السابق قد اشترط التفرغ لمزاولة مهنة المحاسب القانوني.

ومن مزايا النظام الجديد أيضا أنه قلص مدة الخبرة اللازمة لاستخراج ترخيص مزاولة مهنة المحاسب القانوني إلى سنة واحدة فقط، بعد أن كان النظام السابق يشترط ألا تقل عن ثلاث سنوات، وهذا جانب مرن وجاذب لهذه المهنة، بجانب تعديل شرط تخصص المحاسبة للحصول على الترخيص ليشمل (الجامعيين فأعلى)، في كافة التخصصات ذات العلاقة بالمهنة، حيث يركز هذا النظام على المهنيين بصورة عامة، وذلك لرفع كفاءة المخرجات، إضافة إلى إلزام المرخصين بتطوير الأداء، وإتاحة الفرصة لغير المزاولين للمساهمة في المهنة بشكل أكثر فاعلية.

هذه المزايا التي تضمنها النظام الجديد، تتسم بالمرونة والسلاسة، وتفتح آفاقا رحبة وواسعة، لممارسة مهنة المحاسبة والمراجعة، وقد غيرت عددا من الأمور التي كانت في السابق تقيد -إلى حد ما- مهنة المحاسبة والمراجعة، خاصة فيما يتعلق بجانب الخبرات، واكتساب العضوية في مجلس إدارة الهيئة، لغير الممارسين للمهنة، والذي أصبح أمرا ممكنا الآن، وفقا لهذا النظام.

هذه المواصفات والمزايا، ستؤدي إلى سهولة في أداء الأعمال لكل الجهات ذات العلاقة، وسوف تعزز بالتأكيد من حماية مصالح المستثمرين، المحليين والأجانب، وخصوصا في قطاع الاستثمار، كما يدعم النظام تعزيز الشفافية والثقة في التعاملات المالية، والحد من المخالفات المهنية، إضافة إلى زيادة الامتثال في إيداع القوائم المالية في برنامج «قوائم»، وكل ذلك سيعمل على النهوض بمهنة المحاسبة والمراجعة، وتطويرها، وفقا لأفضل المعايير والممارسات الدولية، من خلال نهج قويم يضمن أن تكون بيئة الأعمال في المملكة بيئة جاذبة للأعمال والاستثمارات.

كما أن هذا النظام، وبما يتضمنه من مزايا وبنود مواكبة ومتطورة، سوف يعمل وبصورة فاعلة، على تحسين جودة أداء المرخصين لتقديم خدمات الزكاة والضريبة وخدمات المحاسبة والمراجعة، إضافة إلى تحفيز ممارسي المهنة، كما سيعمل أيضا على الزيادة في التراخيص المهنية، وذلك بما يتناسب مع متطلبات بيئة الأعمال، مما سيجعل عملية التأهيل أفضل، ويحفز السلوكيات الجيدة، حيث تترافق المرونة والتنظيم مع الرقابة، ويحفز على نجاح الملتزمين بالقوانين، ويمنع وجود أي ممارسات خاطئة أو غير مناسبة في المهنة.

وسيدعم هذا النظام الهيئة لتقوم بدور قيادي وتكاملي مع الجهات ذات العلاقة فيما يخص المهنة وقطاع الأعمال، حيث سيعمق دور الهيئة مع هذه الجهات، وقد هدَفَ تغيير النظام الجديد لمسمى «الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين» إلى «الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين» لمواكبة الطلب في هذا القطاع الحيوي المهم، وأتوقع أن يجد هذا النظام صدى كبيرا وتجاوبا من المختصين، وأصحاب المصلحة، نسبة لمزاياه التي تزيد من شفافية، وموثوقية مخرجات مهنة المحاسبة والمراجعة.