شرع الله لنا دينا قيما سمحا، حتى أنه لسهولته وموافقته للفطرة، لايحتاج إلى إكراه قال تعالى «لا إكراه في الدين»، فالإكراه إنما يكون على أمر في غاية الكراهة للنفوس، أما الإسلام فهو في غاية الموافقة للفطرة، ولذلك تقبله النفوس طواعيةً، وتدخل فيه أفواجا، متى خُلي بينها وبين فطرتها، فالمولود يولد على الفطرة، ويبقى كذلك، مالم يتدخل أبواه فيكرهاه على عدم قبول الحق، ولهذا جاء في الحديث «فأبواه يهودانه أو ينصرانه» ولم يقل: أو يسلمانه، لأن الناس فطروا على قبول الإسلام. ومع الأسف فإن بعض الناس يُنفِّرون عن دين الله، بل ويُنفِّرون عن كثير من الفضائل.

فالصلاة - على سبيل المثال - وهي عمود الإسلام، أمر النبي عليه الصلاة والسلام الإمام أن يُخفِّف فيها، لأن في المأمومين من هو كبير أو مريض أو لديه حاجة، والتطويل يشق عليه، ويفوِّت عليه حاجته، بينما التيسير على المصلين، يجعلهم يحافظون على الصلاة جماعة في المساجد دون مشقة وعنت، وهذا من الترغيب المطلوب، وإذا صلى الإمام وحده فليُطوّل ما شاء، لأنَّه لا يضرُّ أحدًا بذلك، لكن الملاحظ الآن هو العكس عند البعض. وليُعلَم أن التخفيف المطلوب يكون وفق السنة، وليس وفق النقارين في الصلاة، أو المطولين، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في البخاري ومسلم، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنِّي والله لأتأخَّر عن صلاة الغداة مِن أجل فلان ممَّا يطيل بنا فيها، قال: فما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قطُّ أشدَّ غضبًا في موعظة منه يومئذ، ثمَّ قال: «يا أيُّها النَّاس، إنَّ منكم مُنَفِّرِين؛ فأيُّكم ما صلَّى بالنَّاس فليوجز، فإنَّ فيهم الكبير والضَّعيف وذا الحاجة». فهذا التطويل أحد الأمثلة للتنفير من الدين، كما أن من أمثلة التنفير عن الدولة مايقوم به «بعض» الموظفين ممن أُسندت إليهم خدمة الناس في بعض القطاعات الحكومية، من الاستمتاع بالتضييق على الناس واستفزازهم، وأذيتهم، وذلك باستغلال نفوذهم بما يُنفّر الناس، ومن أمثلة ذلك المماطلة في إعطاء الحقوق لأهلها، أو التعسف في استغلال السلطة، أو وضع العوائق أمام الشباب الراغبين في الوظائف وفرص العمل، فهذا المسلك من أولئك الموظفين، يوصل مع الأسف رسالة سلبية، لايرضاها الله، ولايرضاها ولي الأمر، فالله نهى عن الضرار، وفي الحديث «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْه»، وولي الأمر: إنما وضع المسئولين في مناصبهم، وصرف لهم رواتب ليخدموا الناس، وقد قال الملك سلمان وفقه الله: «إن كل مواطن هو محل اهتمامي ورعايتي» وقال: «خدمة المواطن شرف» وقال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفقه الله: «المملكة وضعت ملف البطالة كإحدى أولوياتها، وزيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة».

وهذا يضاعف المسؤولية على الموظفين، أن يترجموا تطلعات القيادة في خدمة الشباب، وليس تنفيرهم. وكنت قرأتُ رسالة كتبها الإمام عبدالرحمن الفيصل في 23/‏‏محرم 1328 وجهها إلى ابنه الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - عندما لاحظ أن بعض الموظفين يُنفِّرون الناس، قال فيها ما نصه «... والرجال الذين يُعتَمد عليهم الله يسلمك ليسوا هؤلاء، بل هم الذين يُسخِّرون الناس لكم، ويحببون لكم الناس».

إن الواجب على كل مسلم أن يحذر من تنفير الناس، أو المشقة عليهم في دينهم ودنياهم، وإذا استُعمل في أي منصب فليراقب الله، وليؤد عمله بالإخلاص والصدق والنزاهة، وليعلم أن بَغِيّاً «أي:امرأة زانية» غفر الله لها لأنها أنهت معاناة كلب، كان يأكل الثرى من العطش، مع أن الكلب نجس، يجب غسل ما أصابه سبع مرات إحداهن بالتراب، فما بالك بمن أنهى معاناة إنسان، وما بالك إذا كان هذا الإنسان مواطنا مسلماً ؟ لاريب أن ذلك أعظم أجرا، وفي نفس الوقت فحسن أداء المسئول، واحترامه للشريعة والنظام، وخدمته للمواطنين سبب لمحبة الناس لدولتهم.

كما أن من التنفير ما يفعله المعجبون بأنفسهم، من المزايدة على الناس في دينهم ووطنيتهم، بمجرد الظن والهوى، ولو سألت أحدهم عن مستنده الذي يصك به الناس صك الجندل، لأفلت يديه، يقلب كفيه، لأنه لا بينة لديه، إنما هو الحسد والجهل ومآرب الدنيا، وعدم الخوف من الله، ومعلوم أن اتهام الناس بغير حق يُفرِّق الجماعة، ويوغر الصدور، ويُفتِّت اللحمة الوطنية.

والمأمول ممن بُلي بهذا المسلك الوخيم، أن يتوب إلى الله، ويحذر الظلم والبغي، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، ولو بغى جبلٌ على جبل - كما في الأثر الذي يُروى عن ابن عباس- لجعل الله الباغي دكا، وليعلم أيضاً أن النظام الأساسي للحكم في بلادنا، ينص على أن «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام».