ليس سرا أن جميع دول العالم ترغب بتطوير قدراتها الصناعية في ظل عولمة الصناعة، وفي ظل الفوائد الاقتصادية المعروفة التي تدر دخلا هائلا على الاقتصاد الوطني للدول الصناعية.

والنماذج الصناعية القائمة على احتضان الأسماء التجارية العالمية في سوق العمل المحلية، كما هي الحال في بنجلاديش وفيتنام وكمبوديا، هي نماذج جيدة بمقاييس تلك الدول ذات الأجور التشغيلية المنخفضة جدا مقارنة بأسواق عمل أخرى في الدول الصناعية ذاتها، أو حتى في دول الشرق الأوسط، فهل يمكن تعميم تلك التجارب على السوق السعودية من دون الإضرار بمستوى الحد الأدنى من الأجور؟ وهل سوق العمل السعودية مستعدة لمثل هذه التجربة؟

لا شك أن تجارب إنتاج المنتجات الغربية الكبرى في أسواق ناشئة هي تجربة تنقسم إلى قسمين، أولهما مشاريع الإنتاج الاستهلاكية التقليدية كإنتاج الملابس، وهذه تجربة لا تفيد السوق السعودية كونها لا تقدم قيمة مضافة على مستوى التقنية لشبابنا وقدراتهم على الابتكار، وهي أيضا لا تقدم لهم الحدود الدنيا من الأجور التي تتناسب مع طبيعة حياتنا الاجتماعية.

أما القسم الثاني والذي يتعلق بإنتاج منتجات ذات قيمة تقنية عالية فهو ما يمكن لسوق العمل السعودية أن تسعى لاحتضانه كونه يوفر تجربة تدريبية هامة جدا للشباب السعودي، بالإضافة إلى قيمته الصناعية، ومردوده المالي الجيد على مستوى الأجور.

فهل سوق العمل السعودية مستعدة لاحتضان النمط الصناعي الثاني من الإنتاج الرخيص على غرار الصين، وبدرجة أقل الهند؟

الجواب قد يبدو بسيطا لكنه في الحقيقة بالغ التعقيد، ويتطلب الكثير من البحث المعمق في سوق المؤهلات السعودي بين الشباب السعودي، للوقوف على تقرير مُحكم وتفصيلي ومهني على أعلى مستوى، لمعرفة مستوى هذا الاستعداد.

وفي إطار الإجابة البسيطة على سؤال المقال، فنعم، الكوادر السعودية موجودة، وبدرجات علمية مختلفة ومتنوعة وواعدة، والمبتكرون السعوديون يقفون كل عام على منصات التتويج محليا وإقليميا وعالميا، والكوادر الجامعية والمهنية موجودة وبكثرة، والعقول السعودية ولادة ومبدعة ومبتكرة ومُجرَّبة، ولا ينقُص مبادرة احتضان التصنيع العالمي هذه في المملكة سوى وضع خطة شاملة على مستوى جذب استثمارات الشركات العالمية، وتجهيز الكوادر التي ستلبي حاجة تلك الشركات في مصانعها.

اليوم وبينما العالم يتسابق نحو تطوير قدراته الصناعية، فإن التجربة الصينية الرائدة لابد أن تكون ملهمة لبقية دول العالم، وعقولنا السعودية قادرة على أن تحول المملكة إلى أحد أكبر مصانع العالم والشباب السعودي مستعد وجاهز.