الوظيفة والبطالة، كلمتان متعاكستان، تحملان وراءهما معنى كبيرا وعميقا، نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، لدى الفرد والمجتمع والوطن. من هنا جاءت أهمية قرارات التوطين، لترجمة مدى اهتمام وحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين، لإيجاد الحلول الكفيلة لتوفير العيش الكريم لمواطني هذا البلد.

جهد ومال ووقت صُرف، لوضع تلك اللوائح محل تنفيذ، ولكن لم يتم تنفيذها على الوجه الأكمل، فلماذا لم يتم تحويل هذا المطلب الوطني إلى واقع فعلي، وليس مجرد قرارات وأرقام على ورق، لماذا ضاع حلم وأمل المواطن والوطن؟ من هو المسؤول عن ذلك؟.

لنأخذ مثالا، محلات الخضراوات والفواكه، قطاع حيوي هام كان من أول القطاعات التي تم توطينها، منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، فهل فعلاً تم توطينه على أرض الواقع، وهل يحتاج منا إلى شطارة وتدقيق لمعرفة أن من يعمل به مواطن أو مقيم؟ هل هناك صعوبة في ضبط ومحاسبة المخالفين العاملين فيه؟ هل غياب المواطنة من المواطن وجشعه ومقدرته على التملص من العقاب هو الذي دفعه للمخالفات؟ هل المسؤولون عن هذا الملف عندهم حساسية تمنعهم من التفتيش الميداني لمحلات الخضراوات والفواكه مثلاً، أو عندهم مشكلة التمييز بين المواطن والمقيم بسبب ضعف البصر؟.

هل يوجد لدينا أشخاص «مواطن ومقيم» فوق القانون؟ هل مسؤولو هذا الملف نأوا بأنفسهم هنا، لذلك اتبعوا سياسة المثل القائل «لا أسمع لا أرى لا أتكلم» ؟. هل الجلوس في رفاهية المكاتب وعدم المساءلة أنسياهم الواجب الوظيفي والاجتماعي والوطني؟ هل قرارات السعودة مجرد نزوة عابرة أو فكرة خاطئة غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع؟.

لن أجيب عن هذه التساؤلات، أتركها لجميع القطاعات الحكومية المعنية بهذا الملف للإجابة، مع تقديم فائق احترامي لهم جميعاً. ولكنني أقول للجميع بأننا عندما نتحدث عن أمن وأمان الوطن، تسقط معها سياسة لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم، فالحديث هنا يحتاج إلى الشفافية، يحتاج إلى حرص ووطنية، ويجب أن نقر بأن مشكلة عدم تفعيل ملف السعودة «بكل أسف» هي وجود تقصير وقصور من جميع الأطراف «المواطن، القطاع الخاص، القطاع الحكومي»، نعم في المقام الأول يأتي دور الموطن والمؤسسات الخاصة، مسؤوليتهم مباشرة عن وجود السعودة الوهمية، والتستر على نظام التوطين، وعدم التعاون والتبليغ عن تلك المخالفات.

ثم في المقام الثاني يأتي دور المؤسسات الحكومية المعنية بالسعودة «وزارة الموارد البشرية، التأمينات الاجتماعية، وزارة التجارة، وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان» جميعها تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة، فهذه المؤسسات هي التي تفرض تنفيذ اللوائح عن طريق المراقبة والمتابعة، والتفتيش، والضبط، والمحاسبة.

مما لا شك فيه بأن ملف التوطين يواجه عددا من العوائق، حالت دون تنفيذه على الوجه الأكمل، سوف أذكرها مع مقترح حلها «من وجهة نظري» آمل أن تُدرس من قبل من يلزمه الأمر لتقييم مدى نجاعتها.

العائق الأول: هو وجود عدد من المؤسسات المعنية بأمر التوطين، وهذا ما ساهم في ضياع فرصة التطبيق الفعلي لتلك اللوائح، فكل وزارة ترمي الكرة على الأخرى، لتتنصل من مسؤولياتها، لذا نحتاج إلى هيئة مستقلة لمراقبة قرارات السعودة، وأفضل هيئة لعمل ذلك هي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة»، أو إنشاء قسم خاص لهذا الملف يكون تحت إدارة نزاهة، أو أي إدارة أخرى، المهم أن تكون جهة رقابية واحدة، وليست مجموعة من الوزارات.

العائق الثاني: هو التهرب من شاهد الإثبات، بحجج وأعذار كثيرة، والحل بسيط جداً، وهو تفعيل دور كاميرات المراقبة، التي أصبحت إلزامية في المحلات التجارية، ولتكن كذلك في المؤسسات الخاصة، لماذا لا تُستغل من قبل الإدارات المعنية، كشاهد إثبات على السعودة، على أن يتم تفريغ الكاميرات من قبل الموظف الميداني عند قيامه بالتفتيش، ومراجعتها كل شهر، وبهذا نكون قد راقبنا مدى ومصداقية تفعيل لوائح السعودة، في هذه المؤسسات والمحلات التجارية، أو إيجاد طريقة لربطها إلكترونياً، وفي حال عدم وجود تسجيل لهذه الكاميرات لأي عذر، لا يقبل ويجب الإدانة للتلاعب بأدلة إثبات.

العائق الثالث: هو التقصير والقصور في قلة عدد الحملات الميدانية، وذلك - كما ذكرنا - لتعدد الدوائر الحكومية المعنية، وقلة عدد العاملين الميدانيين، وعدم كفاءة الطريقة المتبعة في التفتيش الميداني. وأرى أننا لمعالجة هذا العائق، بحاجة إلى تطبيق نظام المرور، والذي يتميز بالعمل على مدار الساعة «مراقبة، متابعة، مباغتة، ضبط، محاسبة، حزم» والنتيجة أصبح الطريق لدينا أكثر أماناً للسائق والراكب والعابر للطريق، فتحيّة إكبار وتقدير لمديرية المرور، على تلك الجهود الجبارة التي يتحسب في سجلها الحافل بالعمل المشرف.

العائق الرابع: هو أننا بحاجة إلى مراجعة العقوبات لتكون أكثر حزما وصرامة، لردع المخالفين من المواطنين والمؤسسات الخاصة. ختاماً.. شاهدت مقطع فيديو أعجبني لأحد الأطفال، كتب، الحلم شاورما والواقع عدس، وهذا ما ينطبق على واقع ملف السعودة اليوم.. ولكن لكونه ملفا يخص أمن وأمان وطننا، فإنه بإذن الله، ثم بهمة وتعاون رجالات هذا الوطن العملاق، بقيادة حكومتنا الرشيدة أيدها الله، سوف يتحول إلى حلم جميل، لواقع أحلي ننعم جميعاً بثماره اليانعة.