«خروج على مسؤوليتي» هي العبارة السهلة، التي يكررها كثير من الناس بأقسام التنويم في المستشفيات. المسؤولية كمفردة بسيطة وسلسة، إلا أنها في العرف الطبي معقدة ومركبة. هذه المسؤولية تتطلب منك ضمانا، بأن المريض لن يتعرض لأي نكسة، نتيجة خروجه من المستشفى قبل إتمام علاجه، وأنك تتحمل تبعات ما قد يحدث، نتيجة خروج مسؤوليتك وضد المشورة الطبية، ولكن الحقيقة أن هذه المسؤولية يتبرأ منها معظمهم إذا وقع الفأس في الرأس. أتذكر قضية مولود أصر والده على إخراجه من المستشفى، رغم النصح الطبي بضرورة البقاء، لأن الطفل يعاني من ارتفاع في الصفراء، وكان يتلقى علاجاً ضوئياً، ولكن الأب قال للطبيب «أنا أدرى بمصلحة ولدي، ولا يمكن أن تخاف عليه أكثر مني!». حقيقة هو لن يخاف على الطفل أكثر من والديه، ولكنه يدرك خطورة قرار إخراج مريض قبل إتمام علاجه، وتم إفهام الأب تبعات قراره، ولكنه أصر على الخروج على مسؤوليته، ووقع على أوراق خروج على المسؤولية، وبعد قرابة أسبوع عاد الأب والأم إلى قسم الطوارئ يحملان طفلهما، وكان يعاني من تصلب في الجسم، وإصفرار شديد وتشنجات! كان وضع الطفل محزنا، وخرج من مرضه بإعاقة حركية وفقدان للسمع وتشنجات، وتبرأ الوالد من مسؤوليته وألقاها على عاتق الأطباء، ورفع قضية مطالباً بحق طفله وقال «ما كنت أعرف إنه راح يحصل كذا»، إذا لم تكن تعرف فلماذا اتخذت قرار الخروج على مسؤوليتك، وإن اخترت ذلك فلماذا تنصلت من مسؤوليتك إذن؟!

الآن سيعاني الطفل بقية عمره، بينما كان يحتاج يومين إلى ثلاثة ليتعافى، قبل إخراجه على مسؤولية ذويه، كذلك تكلفة علاجه وتأهيله ستكون أعلى على الدولة.

الشيء الذي يجب علينا إدراكه، أن المستشفيات الحكومية، لن تطلب تنويم أحد أو بقاءه في المستشفى، دون ضرورة لأنها تخدم شريحة كبيرة، وتواجه ضغطا وازدحاما، فإذا قال لك طبيب في مستشفى حكومي لا بد من التنويم، أو يجب عدم الخروج يعني هذا الضرورة القصوى وليس من باب الاحتياط.

في كثير من الحالات، قبل مغادرة المريض ضد المشورة الطبية بفترة، بالذات المرضى البالغين وكبار السن، تظهر علامات تحذيرية قد تشير إلى وجود عدم الرضا أو القلق، وهذا هو الوقت المناسب للتدخل، ومعالجة مخاوف المريض قبل أن يقرر الخروج على مسؤوليته.

وحسب المصادر الطبية فإن خروج المريض من المستشفى ضد المشورة الطبية، يرتبط بمزيد من المخاطر على المريض، في ارتفاع معدل إعادة التنويم، بالذات خلال أول أسبوعين بعد الخروج ويبلغ قرابة 21%، كما أنه يرتبط بارتفاع خطورة تفاقم الحالة المرضية، وارتفاع معدل الوفاة.

عدم الرضا عن الرعاية الصحية المقدمة، أو البقاء لفترة أطول من المتوقع، والشعور بالتحسن على الرغم من عدم إتمام العلاج، أو المشاكل العائلية أو المالية، أو كراهية بيئة المستشفيات، هي الأسباب التي من الممكن أن تدفع البعض إلى أن يقرر الخروج على مسؤوليته وضد المشورة الطبية، ولأنه «لا فات الفوت ما ينفع الصوت»، يجب وضع آلية أكثر صرامة لمنع خروج المرضى ضد المشورة الطبية، لضمان سلامتهم بالذات الأطفال، لأن هذا ربما يُدرج تحت مُسمى سوء معاملة الأطفال.