هل استطاع انتشار الفضائيات وتعددها وتنوعها كسر حاجز العجز عن فهم اللهجات المحلية للخليج في المغرب العربي العربي مثلا، وهل نقلت لهجة الجزائريين فباتت مفهومة في بلاد الشام؟

وهل ما زال التأكيد على أن الإغراق في المحلية يتطلب اللجوء إلى لهجاتها في حوارات الأعمال الأدبية، وهل من المهم أن يراعي الأديب في كتابته ألا يخجل الأهل من اقتناء روايته ويضعونها في بيوتهم وبين أيدي بناتهم.. أسئلة كثيرة أثارتها رواية «حفرة إلى السماء» للكاتب والمخرج السينمائي السعودي عبدالله آل عياف الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام، والمرشحة للقائمة الطويلة للجائزة العربية البوكر 2021، وعنها تقول الروائية السعودية منيرة مهدي «عذرية الكلمات... نقرأها ولا نستحي، رواية أعطيها ابنتي المراهقة بكل ثقة، ولا أخشى شيئا، ولم أشعر منذ فترة طويلة بهذا العمق والجمال».

الحياء من الاقتناء

أبانت منيرة مهدي، في قراءة نقدية لرواية «حفرة إلى السماء»، أن «كثيرا من الروايات التي طرحت في الفترة الأخيرة، نقرأها، ونستحي عرضها على المراهقات، حتى أن أحد الروائيين، صنف الروايات إلى نوعين، هما: روايات للبالغين، وأخرى للمراهقين».

ولكن المهدي لا تجد في كثرة الحوارات باللهجة المحلية «المحكية»، وهو ما تضمنته الرواية ويعد نقطة إيجابية لصالح الرواية التي يراد منها الوصول عالميا، والتحليق في سماء الوطن العربي، وتقول «قد يكون الإكثار من اللهجة المحلية في الحوارات عائقا في انتشار الرواية، ووصول الفكرة واللغة إلى أذهان القراء مع اختلاف اللهجات في الوطن العربي من دولة إلى أخرى، لذا من الضروري التركيز على لهجة، يفهما الجميع في الوطن العربي»، كما وجهت نقدا إلى الرواية في ميلها إلى القرية، وهو النهج الذي يغلب على الروائيين السعوديين.

إشكالية الفهم

أشار مدير البرنامج الثقافي في فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الأحساء، القاص الدكتور محمد البشير، إلى تجاوز إشكالية فهم المفردات باللهجة المحكية «المحلية» في الوطن العربي مع عصر الفضائيات، وأن المفردات «المحلية» في لغة الرواية، يخدمها السياق في الحوار، لفهم معنى المفردة المحلية.

وأضاف أن رواية «حفرة إلى السماء»، امتازت بتعدد الشخصيات، وتعدد الأبطال، وتعدد الأصوات والشخوص، حتى بات أنه ليس هناك بطولة لشخصية واحدة، علاوة على توظيف الحوار في خدمة النص، وكثرة الحوارات دفعت بالرواية إلى الأمام، والسمة الغالبة عليها هي «الموت»، التي تكررت كثيرا، ورغم ذلك تم التغلب على الموت، وهناك انحياز للقرية وللبعيد، وأن القرية ولدت من قبر»، مؤكدا أن «الرواية جديرة بتعدد القراءات، فقد تمكن الروائي من إحضار شخوصه في ذاكرة القراء، وأن هناك أسماء مبتكرة، كما استمرت بعض التسميات موجودة في ذهن القارئ وفي ذاكرته وقدرته».

وبرر البشير استخدام اللهجة «المحكية» في الرواية، بأنه «على الروائي أن يكون مخلصا لشخوصه، من خلال توظيف الحوارات بما يتناسب مع الشخصيات، لضمان عدم ضياع وفقدان شخصياته، وبالتالي تستطيع الرواية القبض على الشخصيات جيدا حتى النهاية».

الرواية بنت المدينة

أكد الروائي والقاص جعفر عمران، أن «بعض المفردات اللهجة المحكية، ترسم شخصية حادة أو جميلة، وقد تعطي انطباعا أفضل من المفردة باللغة العربية الفصحى».

وأشار إلى أن مقولة «الرواية بنت المدينة»، يقصد فيها شخصيات وأحداث كثيرة، وأن أحداث وحوارات القرية، قد لا توجد في المدينة، ففي القرية شخصيات، قد تجدها في المدينة، وأن الإنسان في المدينة لا يستطيع الاختفاء فهو مكشوف، بينما القرية مادة خام للقصة والرواية والشعر، وأن القرية فيها شخوص كثيرة، ومليئة ومجال خصب لكتابة الرواية على اعتبار أن القرية مليئة بالحكايات والتفاصيل الصغيرة.

وبين أن رواية «حفرة إلى السماء»، حملت عدة مزايا إيجابية، من بينها أن «اللغة البصرية انعكست إيجابا على الرواية باعتبار أن آل عياف مخرج سينمائي، وتتنوع بأفواه الرواة، وتأتي على شكل قصص، وتفكيك الأساطير وربطها بالحكايات الحديثة».

الأحلام والذكريات

شدد القاص طاهر الزارعي، على أن رواية «حفرة إلى السماء»، يتفق عليها القراء والنقاد، وتكتشف من الأمكنة عبقها، ومن أحداثها أساطير وحكايات، واصفا إياها برواية الأحلام والذكريات، وهي رواية الموت.

ورأى الروائي حسين الأمير، أن «كثرة مفردات اللهجة المحلية في الروايات، لا تشجع على قراءتها كثيرا، رغم أن الروائي يستخدمها لرسم الشخصية، ويبين ثقافة معينة».

وبين أن «القراء في الخليج العربي لا يجدون صعوبة في قراءة ورايات تحمل مفردات محلية في المغرب العربي».

وأضاف «هناك مشتركات بين اللهجة المحلية والفصحى في الوطن العربي، باعتبار أن كل مفردة محلية في الوطن العربي لها أصول بالفصحى، مستعرضا بعض إيجابيات اللهجة المحلية في الرواية، وهي: فائدة في الشخصية أو وصف منطقة أو بيئة أو شخصية معينة، والروائي يستطيع أن يتعمق كثيرا في الشخصية من خلال اللهجة المحلية».

دلائل مؤيدي استخدام اللهجة المحكية في السرد

- تترجم الواقع نفسه

- أداة التواصل في البيت والشارع والعمل

- لغة الحياة

- تثري المعجم اللغوي بمفردات جديدة

- لم تعد غريبة مع انتشار الفضائيات

- تعطي صدقا أشد للشخصيات في السرد فلغة بائع السوق تختلف عن لغة المهندس

معارضو استخدام المحكية في الأدب

- ليست مهمة الأديب نقل كلام الناس على علاته

- استخدام المحكية يهدد لغتنا العربية ويزيد تفككها

- المحكية تحصر انتشار العمل على نطاق بلده فقط

- تدمر الحالة الإبداعية للغة العربية الطيعة والمجنحة

- تحول الثقافة إلى عمل تجاري

- المحكية تحتوي على مصطلحات غير مفهومة بعيدا عن منطقتها