سئل سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في مقابلة أجرتها مع سموه قناة «الإخبارية»، في عام 2017، عن إن كان لدى السعودية نية إجراء حوار مع النظام الإيراني، فأجاب سموه: «كيف أتفاهم مع واحد، أو نظام لديه قناعة مرسخة بأنه نظام قائم على إيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره، ومنصوص عليها في وصية الخميني بأنه يجب أن يسيطروا على مسلمي العالم الإسلامي، ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري الخاص فيهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حتى يظهر المهدي الذي ينتظرونه. هذا كيف أقنعه؟ وما مصالحي معه؟ وكيف أتفاهم معه؟».

هذه الإجابة تدل على نظرة عميقة لدى الأمير الشاب في كيفية تعالي الأنظمة الثيوقراطية بالسياسة إلى بنيات مذهبية ماضوية، غير متلائمة مع بنية الممارسة السياسية الحديثة، والقائمة على تنسيب الحق والباطل، وعلى مراعاة المصالح فحسب، حين اللجوء إلى المفاوضات.

هذه البنية السياسية المذهبية التي يتعامل بها النظام الإيراني في ممارسته السياسة، نجدها في عمقها مع جماعة الحوثي، وإن اختلفت في بعض تفاصيلها.

الحوثي، ينتمي، نظريا، إلى المذهب الزيدي؛ وهو المذهب التي تلزم ثوابته الإمام بالخروج (الثورة)، كما جاء في معتقدات الطائفة، التي سجل أبو الفتح، الشهرستاني طرفا منها في كتابه «الملل والنحل».

مبدأ الخروج للقتال يحدد شرعية الإمام في المذهب الزيدي بعمومه. لذا، يمكن القول، إن الزيديين أشد في تطبيق هذا المبدأ، أي مبدأ الخروج للقتال، بصفته شرطا أساسيا لشرعية الحاكم، من الإمامية الإثني عشرية؛ فبينما تقبل الإمامية الإثني عشرية

بولاية الفقيه نيابة عن الغائب، فإن الزيدية لا يجوزون مثل هذه الولاية. ولذا، نجد أن محمدا الباقر، الإمام الخامس للإمامية الإثني عشرية يعترض على اشتراط أخيه زيد، مؤسس المذهب الزيدي، وجوب خروج الإمام، قائلا ما معناه: إذن على حكمك، فإن والدك (علي بن الحسين، زيد العابدين)، ليس إماما، لأنه لم يخرج للقتال على إمامته. مع ذلك، فإنهم، أي الزيدية، يجوزون إمامة المفضول حتى بوجود الفاضل؛ وهذا ما يفرقهم عن الإمامية؛ علما أن الحوثي وجماعته لا يؤمنون بإمامة المفضول، لسبب سأذكره لاحقا.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالزيدية، كما يعرف كل مختص، مكونة من عدة فرق، منها المتشدد، والأقل تشددا، والمتسامح؛ وهكذا، كما في كل ملة وطائفة. مع ذلك، فالزيدية، في عمومهم، متسامحون نسبيا، بخاصة إذا تذكرنا أن مؤسس المذهب: زيد بن علي بن الحسين تتلمذ على يدي واصل بن عطاء، رأس المعتزلة. ولقد حفلت الزيدية طوال تاريخها بأئمة، وفقهاء أجلاء معتدلون، نذكر منهم القاسم الرسي، توفي 246هـ، وحفيده يحيى بن الحسين المعروف بـ«الهادي»، مؤسس جماعة الهادوية توفي سنة 298. ومن المعاصرين: الفقيه: محمد علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250هـ، الذي تتلمذنا على كتبه، وأشهرها كتاب «نيل الأوطار» في الفقه، وكذلك الفقيه الآخر: محمد بن إسماعيل الصنعاني، وهو الآخر ممن تتلمذنا على كتبه التي من أشهرها «سبل السلام»، وكذلك المفكر المستقل محمد بن إبراهيم بن الوزير، توفي سنة 840هـ، وكذلك المفكر الآخر المعتدل صالح بن مهدي المقبلي، صاحب كتاب «العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ»، وغيرهم.

هنا ينبغي أن نؤكد أن الحوثي لا ينتمي إلى الزيدية المعتدلة، وإنما ينتمي عقديا إلى فرقة متطرفة منها، تدعى «الجارودية»، أتباع أبي الجارود، زياد بن أبي زياد. والذي يقول عنه الشهرستاني إنه «كفر الصحابة لاختيارهم أبا بكر للخلافة، وقد خالف أبو الجارود في هذه المقالة إمامه زيد بن علي، فإنه لم يعتقد بهذا الاعتقاد». وعلى الرغم من اختلاف الفرق التي نسلت من الجارودية نفسها في بعض التفاصيل، فإنهم متفقون على أن الإمامة محصورة في «البطنين»، أي الحسن والحسين، وذريتهما؛ وأكثر من ذلك، فهم متفقون أيضا على أن الإمام لا بد أن يشهر سيفه، ويخرج مقاتلا داعيا إلى إمامته، وإلا فلا شرعية لإمامته. فـ«كل من شهر سيفه، ودعا إلى دينه، من ولدي الحسن والحسين، فهو الإمام»، كما جاء عند عبدالقاهر البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق».

الحوثي في حقيقته ليس زيديا حقيقيا، وإنما هو جارودي متعصب، لا يؤمن إلا بالقتال وسيلة إلى الحكم. إذ إن الحاكم الذي لا يصل إلى حكمه عبر القتال، فليس بحاكم شرعي. ومن هنا، فهو، أي الحوثي، لا يؤمن بالمفاوضات السياسية، بصفتها مبدأ

قائما على الأخذ والعطاء، وعلى تنسيب السياسة بوصفها فن الممكن. بل حتى لو سلم السلطة طوعا فلن يقبلها إلا بعد أن يقتل ويبيد كل من ليس على مذهبه، فهذا هو الشرط الوحيد الذي يجعل حكمه شرعيا، بحسب معتقده. ومن ثم، ينبغي أخذ هذا في الاعتبار عند النظر إلى مشكلة الحوثي، إذ إنهم محض جماعة مذهبية تنتمي إلى غابر تاريخ موغل في الخرافة، وبعيد كل البعد عن أن يخضع للحد الأدنى مما تتطلبه أدبيات السياسة الحديثة.