أعلنت «أرامكو السعودية»- أكبر شركة في العالم من ناحية الأصول وتاريخ الأرباح- نتائجها السنوية للعام 2020، حيث حققت نتائج ممتازة جدا بأرباح بلغت 183.7 مليار ريال (49 مليار دولار)، في ظل الأزمة العالمية لجائحة كوفيد19- التي دفعت منافسيها في أسواق النفط والغاز إلى تسجيل خسائر كبيرة. وعلى العكس من كل المنافسين جاء أداء «أرامكو» ليمثل متانة وصلابة القاعدة التي تقف عليها من ناحية المرونة، والاستدامة والمحافظة على البيئة واستخدام الحلول التقنية الرقمية لخفض كلفة التشغيل والصيانة ورفع هوامش الأرباح. كما أعلنت «أرامكو» عن توزيع أرباح لمساهميها بمقدار 70.3 مليار ريال (18.7 مليار دولار) للربع الأخير من العام. والحق يقال إن هذا الأداء المنضبط ماليا والمتميز تشغيليا رغم التحديات التي واجهتها «أرامكو» في 2020 سواء في جانب تذبذب أسعار النفط أو الهجمات الإرهابية التي طالت بعض منشآتها يعزز الثقة في «أرامكو» كمصدر مستدام وقوي للطاقة وقادر في نفس الوقت على إمداد العملاء بالطاقة في كل وقت.

على الجانب الآخر، يمر قطاع الطاقة العالمي بمرحلة إعادة ترتيب للمصادر نحو المزيد من المصادر الصديقة للبيئة والأقل بعثا للكربون، و«أرامكو» وسياسات المملكة العربية السعودية لم تغفلا هذه الحقيقة وهذا الواقع، بل إن المملكة ضخت أكثر من 5 مليارات دولار لبناء معمل الهيدروجين النظيف لتصبح أحد أكبر مصدري الهيدروجين الأخضر الصديق للبيئة كبديل للوقود التقليدي من خلال مشروع نيوم. بل إن السعودية أعلنت مبادرتها لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون لخفض والتقاط غازات الكربون وتحويلها إلى منتجات مجدية اقتصادية.

فقبل أسبوع أصدرت مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ OGCI (التي شاركت أرامكو في تأسيسها) تقريرا بشأن الاستثمارات السعودية القيادية والفرص في تقنيات استخلاص الكربون واستخدامه في المملكة والقيمة المالية الواعدة التي ستخلقها هذه التقنيات بالاستفادة من تجارب المملكة الأولى من نوعها في العالم في مشروع «أرامكو» التجريبي في معمل العثمانية باستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 لعملية الاستخلاص المحسن للنفط، وأيضا مشروع «سابك» لاستخدام الكربون بهدف تعزيز صناعة المواد البتروكيماوية. تهدف المملكة على المدى المتوسط والطويل لخفض الاعتماد على النفط الخام كمصدر للطاقة، واستخدامه أكثر من خلال تحويله إلى كيماويات مباشرة وبخطوة واحدة، لتعظيم الفائدة من كل برميل نفط. إضافة إلى إتاحة الخيارات الاقتصادية وفقا لما يتطلبه مقام الحال في كل دورة اقتصادية.

إذا أخذنا هذا التوجه الاقتصادي في الاعتبار، وشاهدنا كيف أن أزمة كوفيد19- الاقتصادية جعلت «أرامكو» أقوى عما كانت عليه وأسرعت من خططها التحويلية نحو الاستثمار في مجال المصب downstream فإننا لن نغفل حقيقة أن الشرق بشكل عام يتيح لنا فرصة كبيرة أيضا لضمان إمدادات النفط إلى أكثر من 50 سنة قادمة فـ«أرامكو» أصبحت المورد الأول لنفط لجمهورية الصين وهو ما أكده الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو» أثناء مشاركته في منتدى الصين الاقتصادي للتنمية قبل أيام. لقد حقق شرق آسيا نموا في اقتصاداته، وهو يعتبر الجزء الأقل في العالم إضافة إلى السعودية تأثرا بجائحة كوفيد19- وتبعاتها الاقتصادية. وباعتبارها الدولة الأسرع في التعافي الاقتصادي أصبحت الصين هي الواجهة الاقتصادية الرابحة والجديدة للعالم، حيث نما الناتج المحلي الصيني بمعدل %2.3 وتهدف الصين هذا العام لتجاوز %6، وهو ممكن جدا في ظل الظروف الراهنة.

لقد كان من المتوقع وفق تقرير «أوبك» لمستقبل النفط العام الماضي أن تحقق الصين والهند مجتمعتان نسبة %45 من إجمالي الناتج المحلي العالمي بحلول 2045م إلا أن الصين موعودة جدا بتحقيق %30 من إجمالي الناتج المحلي العالمي بنهاية 2021م. إن النمو الصيني بشكل خاص والآسيوي بشكل عام سيقود مستقبل الطلب على موارد الطاقة ولن تكفي الموارد المتجددة على الوفاء بمعدل الطلب. في حين أن أوروبا وحدها سوف يتراجع إجمالي ناتجها المحلي بأكثر من %28 بحلول 2045 في الوقت ذاته الذي سيتضاعف إجمالي الناتج المحلي العالمي عما هو عليه الآن. وفي اعتقادي أن الصين والهند ستشكلان وحدهما %60 في 2050م مدفوعا بحقائق كثيرة أهمها القيود الأوروبية لاتفاقية المناخ وأيضا التوجه الأمريكي لتقييد الاستثمارات النفطية والوقود الأحفوري.

وفي ظل هذه التغيرات السريعة في أسواق الطاقة، تمضي استراتيجية «أرامكو» بثقة ويزدهر اقتصاد الصين بقوة، فهل تعيد الصين و«أرامكو» السعودية تحسين استخدامات النفط لصفر كربون والاستثمار في مجال الابتكار وإعادة إنتاج غازات الكربون؟ لا أشك أن التحالف الجديد سيكون فيه رخاء العالم اقتصاديا وبيئيا.