قديما، وحاليا نوعا ما، يتيسر للموسر أن يوقف ماله، من دار وعقار، على «أولاد الظهور» وهم أولاد الذكور، دون «أولاد البطون» أي أولاد الإناث، وهذه المسألة تحتاج لبعض التبسيط، لأهميتها القصوى.

بداية أذكر أن أهل العلم مختلفون في هذا الأمر؛ فمنهم من يرى جواز هذا الوقف على أولاد أبنائه دون أولاد بناته، ويرى صحته، ومنهم من لا يرى صحته، ويعتبره «وقف جَنَف» ـ قال المولى ـ سبحانه وتعالى ـ في الآية «182» من سورة البقرة: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}..

تحضرني، في هذا الأمر الحساس، خطبة جمعة قديمة، عمرها «14» سنة تقريبا، لفضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ، ومما قاله فيها: «بعض الناس يوقف على أولاد الظهور دون أولاد البطون»، أي: أنه ينص على حرمان أولاد البنات، وهذا وإن أجازه بعض الفقهاء فالذي ينظر إليه بتمعن يجد أنه وقف أريد به حرمان أولادِ البنات في عاقبة الأمر مما أباحه الله - جل وعلا - لأمهاتهن من ميراث، ولهذا فالمحققون على التحذيرِ منه، استنادا لنصوصِ الوحي ومقاصد الشريعة، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - في أثناء جواب له: «وما أشرت إليه من أن بعض الناس يوقف عقاره وشجره على ذريته الذكور ما تناسلوا والأنثى حياتها فهذا وقفُ الإثم والجَنَف، لما فيه من الحيلة على حرمان أولاد البناتِ ممّا جعله الله لهم في العاقبة، وهذا الوقفُ على هذا الوجهِ بِدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وغايته تغيير فرائضِ الله بحيلة الوقف، وقد صنَّف فيه شيخنا محمد بن عبدالوهّاب - رحمه الله - وأبطل شُبه المعارضين» انتهى كلامه المتين؛ وفي فتاوى الإمامِ عبدالكريم بن زياد الشافعي - رحمه الله - ما لفظه: «وأما الوقفُ على الذكور من الأولاد دون الإناث فقد عم في جهة الجبال، والقواعد ـ أي: القواعد الشرعية ـ مشعرة بقصد حرمانهن، بل ربما يصرحون بذلك، فالواجب القيام في إبطال هذا الوقف» انتهى؛ وقد ذكر مثل هذا التقرير الألوسي في تفسيره مما تؤيده مقاصد الشريعة وغاياتها وأهدافها وعدل أحكامها ونبل تعاليمها..

أنا هنا، لا أتكلم عن أوقاف قديمة، تمت بالصورة المذكورة، وتم اعتمادها في المحاكم الشرعية، لكني أرجو ممن يفكر في مثل ذلك مستقبلا، أن يصون الموقوف عليهم عن الخصومات والتقاطع والتنازع والتشاتم والضغينة بسبب هذا النوع من التصرف، وأقصد ما يمكن أن أسميه «التوارث الأسري»، الذي يبقي المال في الأسرة الواحدة، ولا يخرج عنها إلى الأسرة الأخرى، اعتمادا على «أولاد الظهور»، دون «أولاد البطون»؛ فإذا ماتت البنت الموقوف عليها، انقطع مالها، وذهب مالها إلى إخوتها وغيرهم، وحرم أولادها لأنهم من أسرة أخرى، حتى لو كانوا أكثر حاجة وعوزا من أخوالهم وغيرهم.

أختم بوصيتي للمصرين على حصر أوقافهم في «أولاد الظهور» دون «أولاد البطون»، أن يوقفوا ما يريدونه من مال على المحتاج من ذرياتهم، سواء كانوا من أولاد الظهور أو البطون، بطنا بعد بطن؛ فإن انقرضوا صرف المال في مصارف الخير؛ من الصدقة على الفقراء، وتعمير المساجد، ونحو ذلك من الوجوه المعتمدة والموافق عليها.