أجرى صاحبنا ذو الـ30 عاما مقابلة وظيفية مع الرئيس التنفيذي لكبرى مستشفيات المنطقة «مقيم من جنسية عربية»، وانبهر الرئيس بالسيرة الذاتية للمتقدم، إذ وجد درجات جامعية متعددة، وأكثر من 20 دورة إدارية ومهارية وتقنية، وإتقان لغتين أو أكثر، وخبرات في مجالات متعددة، وبعد الحديث المطول في المقابلة، قرر الرئيس التنفيذي منح المتقدم وظيفة (رئيس قسم التطوير) بالمستشفى. فرح المتقدم، وبعد أن اطلع على العرض الوظيفي، وجد راتبا ليس ببعيد عن مرتب موظف الاستقبال، وبفترتي عمل ويوم إجازة، وبحسبة بسيطة، وجد أنه سيخسر ثلث مرتبه في البنزين ذهابا وإيابا مرتين يوميا. ولأن صاحبنا يعول أسرته، قرر التفاوض مع مدير المستشفى، ليسكن بإسكان المستشفى، أو توفير وسيلة مواصلات توفر خسائره في الوقود، وبعد أقل من أسبوع اكتشف إلغاء العرض الوظيفي له، وأن هناك فتاة لم يصل عمرها إلى 22 عاما حلت مكانه، رغم أن مؤهلاتها لا تتجاوز ربع مؤهلاته أو خبراته، واكتشف أنها تعمل بمرتب أقل من الذي عرض عليه، وقبلت به لأنها ببساطة؛ ليس عليها أي التزامات، حتى سكنها ووقود سيارتها قد يدفع من قبل والدها أو والدتها، بينما صاحبنا «في ذمته نفوس تنتظر منه لقمة عيش لها». سبب توظيف الفتاة، أن المستشفى ضرب عصفورين بحجر، زاد نسبة التوطين لديه، ويظهر كأنه متبع لتوجهات تمكين المرأة، وكأن توظيف فتاة براتب 4000 ريال، ومديرها المباشر (الرئيس التنفيذي) دخله لا يقل عن 50.000 يعد تمكينا لها، وهو تمكين وهمي وزيادة غير حقيقية في نسبة التوطين، والعكس صحيح، إن كانت المتقدمة تتجاوز الـ30 عاما، وقبول شاب في بداية العشرينيات وبربع مؤهلاتها فهذا توطين سلبي. الثلاثينية لم تصل لهذا العمر و«شغلها الشاغل تغيير الأيفون 12 بـ13»، مثلما قد تكون اهتمامات هذا الشاب، بل ستكون الفتاة عائلة لأسرة ولديها احتياجات أكبر. هذا التمكين الحقيقي للمرأة، بتمكينها بحسب مؤهلاتها واحتياجاتها، وليس «جمال زهرة شبابها» التي ستذبل خلال أعوام، وسترمى للبطالة وكأنها عارضة أزياء وليست موظفة تحفظ اقتصاد وأموال البلد داخله.

تمكين المرأة والرجل على حد سواء هو مواكبة لرؤية 2030، التي تهدف للتوطين الحقيقي الذي يحفظ أموال البلد من الفساد والتسرب بالتصدي لخروجها، والاستفادة القصوى من بقائها داخليا، مما له أثر مباشر وغير مباشر في الأمن الاقتصادي الذي يحقق الأمن النفسي والمجتمعي لهذه الفئة، وما يلحق به من المحافظة على الأمن الفكري الذي يحفظ الشباب من الانخراط في الجريمة المنظمة، أو الجماعات المتطرفة أو غيرها.

صاحبنا ذهب لمديرية الشؤون الصحية والجامعات والأمانة، وجميعها كان ردها (ليس لدينا وظائف حكومية أو تعاقد مباشر، إلا أنك قد تجد وظيفة بـ4000 بإحدى الشركات المتعاقدة وعملك عندنا، لأننا بحاجة ماسة لتخصصك وخبراتك، ولكن «ما باليد حيلة»)، كأن حيلتهم لم تكن من قبل حينما قرروا التعاقد مع الشركات التي سببت بطالة وضياعا للتوطين، وهي بدورها وفرت البديل الأجنبي الذي حرم ابن الوطن المؤهل من فرص وظيفية في منطقته.

وبذهاب صاحبنا لصندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، وجد أن كل ما يقدمه هو دعم بـ1500 ريال للمنشأة التي ستوظف شابا حتى لو كان مرتبه 4000 ريال، وعمره 18 عاما وشهادته ثانوي، بينما إن كان حاصلا على ماجستير من أوروبا ومتزوجا ويعول أسرة، فلن تدعمه إلا بالمبلغ نفسه، وهنا لم يعد هناك فارق، بين من تخرج أمس و«ذوي الاحتياجات القصوى للتوظيف».