فجر جديد يبشر بيوم جديد.. ثم يأتي المساء وينتهي، يمر من بين أيدينا ونحن نقضي معظمه في أشياء مختلفة، ولكن دائما نحن في انتظار! انتظار حدث ما؛ الرجل المناسب، المرأة المناسبة، الوظيفة المناسبة، الترقية المناسبة، الفرصة المناسبة، القرار المناسب.. وهكذا ما إن يحدث أمر حتى يظهر لنا آخر، والوقت يجري والعمر يمضي، ولا يمكننا مهما حاولنا أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء!.

على الرغم من أن الوقت مورد ثمين، لكنه محدود، وغالبا ما نتجاهل أهميته، بل إننا نسيء استخدامه.. هنالك دائما وقت آخر، يوم آخر، فرصة أخرى.. نقنع أنفسنا بأنه هنالك دائما متسع من الوقت، وما زال هنالك غد، كما قالت سكارليت أوهارا في رواية «ذهب مع الريح» للروائية مارغريت ميتشل: «لا يمكنني التفكير في ذلك الآن، لأني إذا فعلت سأجن.. سأفكر في الأمر يوم غد.. يوم غد.. يوم آخر»، وعلى مدى الرواية تكرر «سكارليت» تركيبات مختلفة لمقولتها هذه عند كل تحد أو فاجعة تعصف بها، خاصة حين تتصرف بطريقة خارجة عن العرف أو الأخلاق، حتى تتجنب ذاك الشعور الذي يطلقه الضمير ويحاصر الإنسان فيشعره بالذنب أو العجز!، وهذا ما يفعله الكثير ممن يتعرضون لمثل هكذا ظروف، ويقومون بمثل هكذا سلوكيات.. إنهم فقط يؤجلون أو يجمدون حياتهم في انتظار شيء

ما سيحدث؛ الهروب بتجنب التفكير في النتائج، يعرفون أنه سيأتي يوم يواجهون فيه هذه النتائج، ولكنهم يتصرفون كمن يخبئ الغبار تحت سجادة المنزل، أي يؤجلونها حتى يوم آخر الذي قد لا يأتي أبدا!. هل حقا نمتلك متسعا من الوقت، وبناء عليه نركز على الأولويات الخاطئة لدرجة أننا في نهاية المطاف ننفق هذا الوقت الثمين على أشياء لن تكون ذات أهمية على المدى الطويل، وبهذا نغفل التفكير والتركيز على ما هو أصلا مهم، ويحتاج أن نلتفت إليه حتى لا يفوتنا القطار ونندم!.

هل فكرت يوما كيف تقضي وقتك؟ هل شعرت بأنك تحتاج للمزيد من الساعات في اليوم حتى تقضيها خارج أعمالك أو مسؤولياتك مع عائلتك؟ تريد كل شيء على طبق الحياة، ومهما مددت يدك فلن تستطيع أن تغرف كل ما عليه!. إرهاق، تشتت، حتى زهق وحيرة.. مشاعر متضاربة تنتابك ولا تعرف كيف تتعامل معها، فماذا تفعل؟ تدفعها إلى تحت السجادة، وعلى كل حال غدا هو يوم آخر!، ولكن الزمن ليس ملكك!. أمسُك مضمون، ولكن غدك في علم الغيب!. إذا لم تبدأ الآن... هل ستبدأ أصلا؟! هل سألتك ذاتك يوما: «هل أنا أعيش حقا أفضل أوقات حياتي؟».

الزمن يتسلل إلى حاضرنا، وكما يظهر يختفي في صفحات التاريخ، فإن لم يكتسب أي أهمية يصبح «قتيلا، مهدورا»! لماذا نتعامل معه هكذا؟! ألا يمكن أن نجعل الوقت في مصلحتنا بدلا من أن يكون علينا؟، فالانتظار ليس أكثر من مجرد حاجز، لكن ما ينبغي أن يكون الأمر كذلك، يمكننا أن نختار اليوم بدلا من الغد، وبهذا نحول الانتظار إلى أمر ذي معنى وفائدة، أحول ذاتي إلى قائدة لحياتي وأعيد ترتيب أولوياتي.. ثم أبدأ بالتنفيذ.

إن الوسيلة الوحيدة التي نختبر من خلالها الحياة هي الوقت، وهو ليس سوى نعمة من الرحمن، وهبه لنا حتى نجيد استخدامه ليس في خدمة أنفسنا فقط، بل في خدمة الإنسانية من حولنا أيضا. كل يوم هو بستان في انتظار أن يزرع.. أن ترمى البذور.. وأن تروى الجذور.. وعندما ندرك الوقت في ضوء ذلك سوف نرى أن الأوقات الصعبة التي نمر بها ليست سوى فرص للنمو والتغير إلى الأفضل، فإن الوقت.. الآن.. ليس محطة انتظار، إنه حالة عبور إلى مرحلة أخرى.. شط آخر.. خبرة جديدة.. ودرس آخر.. تجارب تصقلنا حتى نصل إلى إمكاناتنا.. حتى نستمر في النمو.. حتى نملأ ذاك الإناء من فكر ووجدان وروح، وبالتالي نتمكن من تولي زمام الأمور في حياتنا من خلال تولي زمام الوقت. كن أنت المتحكم في صرفه ولا تدعه يقطعك بسيفه، لا ترض بأن تكون الضحية! اختَر أن تجعل هذه اللحظة، أي لحظة من يومك، مهمة، سخر الوقت للإنتاجية والارتقاء؛ وابدأ من المركز.. من ذاتك، ثم انتشر وتوسع في دائرتك حتى تتصل مع العالم من حولك، فقد خلق الله ـ سبحانه وتعالي ـ لنا الوقت ولم يخلقنا للوقت، وبيدنا القرار فلنحقق أقصى استفادة من كل يوم، ولا نسكبه في هاوية التاريخ دون أن نجعل منه شيئا يستحق الذكر حتى وإن اختار من حولك نسيانه أو تجاهل قيمته، فكل يوم لدينا الفرصة لنكون سعداء، كل يوم لدينا فرصة أن نسعد غيرنا، لدينا الاختيار بأن نحدث فرقا ليس في حياتنا فقط، بل في حياة الآخرين ممن نعرف وممن لا نعرف، لا يهم أن يعرفوا، المهم أننا نحن الذين نعرف!. كل يوم لدينا الفرصة، بل بين أيدينا القرار بأن نعيش هذه الحياة على أكمل وجه بأن نجعل من كل لحظة شيئا مهما كاللحظة التي قبلها والتي بعدها، فوقتنا محدود على هذه الأرض، واستخدامه بطرق إيجابية يسهم في إضافة شيء من ضوء أشعة الشمس ولو كان قليلا إلى هذا العالم.. إلى شخص آخر.. إلى سلام داخلي يحتضننا.