قادت نتائج وتحليلات دراسة بحثية لدلائل التحول المناخي خلال عصري البلايستوسين والهولوسين في هضبة المستوي بمنطقة القصيم بالمملكة، إلى وجود قبور حجرية تعود إلى أكثر من 220 ألف عام، وذلك لعدد من الترب والمدافن التي تدعم استيطانا بشريا سابقا قبل آلاف السنين، وتم التنقيب عنها بأذونات رسمية من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني آنذاك، وبينت الدراسة التي تمت بمشاركة فريق بريطاني وعدد من الخبراء بجامعة القصيم ممثلة في رئيس قسم الجغرافيا الدكتور أحمد الدغيري، أن المذيلات وركامات الدفن القديمة بصفراء المستوي تتعدد أنواعها وأشكالها، ورصدت الدراسة أدلة تدعم هيمنة مناخ رطب مداري قبل ما يقارب 11 إلى 12 ألف سنة، حيث كانت الرياح الموسمية طاغية آنذاك الأمر الذي سمح بسيلان ونشاط أنهار صفراء وساعد على تشكل تربات خصبة هي الآن محفوظة في السهول الفيضية لأودية صفراء المستوي، کما أكدت الدراسة وجود تنوع حيوي ونشاط فطري وبكتيري وطحلبي ترعرع حول تلك الأنهار وسادت حولها غابات مدارية واسعة الامتداد غطت بقاعا واسعة من صفراء المستوي.

مقتنيات حجرية

وبينت الدراسة كذلك وجود دوائر حجرية تعلو سطح الصفراء بما يقرب المتر وتحوي فتحات شرقية بطول 60 سم وارتفاع 40 سم، كما تتناثر وبشكل واضح مقتنيات حجرية من مشاحذ وفؤوس ومشارط من الصوان أو الكورتز بكميات كبيرة تدعم وجود مصانع حجرية قديمة، وكشفت الدراسة أن بعض تلك الراكمات الحجرية تحوي بقايا رفات آدمية، وأخرى وهي كثيرة منبوشة، واستقطعت الدراسة عينات عظمية من ركامات صفيحة أم دبر الواقعة في وسط صفراء المستوي، وكذلك ركام الصويدة في شمال الهضبة، وجاءت النتائج من المعمل المختصة بأن أعمار هذه الركمات وفق تقنية C14 تجاوز 20 ألف سنة وفشلت بعض العينات العظمية في تقدير عمرها بسبب عدة عوامل منها عملية النبش المستمر الذي تعرضت له تلك المدافن، وانعدام أو قلة الكولاجين Collagen والبروتينات Proteins بفعل عوامل مختلفة، أو تعرض تلك الجثث لعمليات غسيل وارتشاح مائي بفعل المياه المتسربة من أعلى الركام، وإحلال معادن تغير من طبيعة المادة العظمية مثل الكالسيت CaCO3 أو ثاني أكسيد السيليكون Sio2، وقد يكون حرق الجثث سببا في انخفاض الكولاجين، وهنالك احتمالية أن تكون أعمار تلك العظام تعود إلى 220 ألف سنة يدعم ذلك الترب التي تم تقدير عمرها بواسطة تقنية OSL وترقد فوقها وحولها تلك الركامات.

بقايا نباتات

وحصلت «الوطن» على نسخة من البحث وتفيد نتائجه أن منطقة القصيم شهدت ظروفا مدارية رطبة دفيئة هيمنت على صفراء المستوي خلال عصر البلايستوسين أي قبل مايقارب 220 ألف سنة، دعم ذلك وجود ترب حمراء مدارية تحوي نثارا وبقايا نباتات تحنطت وحفظت في تلك الترب بشكل ممتاز وظلت حتى يومنا الحالي.

دلائل أخرى

وأكد الدراسة أن هذه المعثورات تتوافق مع دلائل أخرى مناظرة سادت في أماكن أخرى من بقاع العالم كالتي وجدت في الأردن ولبنان وكذلك في جنوب الجزيرة العربية كعمان والإمارات.

وتعزو الدراسة أسباب سيادة الرطوبة وما نتج عنها من تنوع حيوي وانتشار بشري إلى توغل الرياح الموسمية المدارية الرطبة التي كانت تعم مساحات واسعة من أرجاء الجزيرة العربية وإفريقية والذي أكدته كثير من دراسات أجريت في أرجاء أخرى من الجزيرة العربية وما جاورها، وتشير الدراسة إلى أن البقايا الحالية من تلك الجذوع المنتشرة في صفراء المستوي أو تلك المكدسة عند مصبات أنهارها غربي الثويرات، إنما هي من آثار تلك الأنهار الجارية والأمطار الدائمة.

ظروف مناخية

وأوضح البروفيسور الدغيري لـ«الوطن» أن ما يشاهد حاليا في صفراء المستوي من مدافن ومعثورات كائنات أحيائية متصخرة وبقايا بشرية ومراقد وأدوات ومكاشط حجرية لأكبر دليل على أن الظروف المناخية القديمة التي سادت وبادت كانت مغايرة تماما عن حالة المناخ والبيئة الحالية في صفراء المستوي، وعلى جانب آخر أكد أن هذه المشاهد هي إرث حضاري واقتصادي قيم وكذلك كنز علمي ثمين يمكن من خلاله استقراء الظروف المناخية والبيئية والبيولوجية والإحيائية والبشرية التي سادت في المملكة وحالة المناخ كذلك، فإذا كان الحاضر مفتاحا للماضي، فإن الماضي يعيد نفسه ويتكرر وفق دورات زمنية، لذا تؤكد الدراسة أهمية العناية الفائقة والمحافظة على تلك القوالب الإحيائية والمعثورات الحجرية وتسويرها وفتحها أمام المختصين وطلاب المدارس للاستفادة منها في استقراء ماضي البلاد والتطبيق العلمي عليها عوض عن هذا العبث المشاهد في جنبات الهضبة من قبل الأفراد أو بعض الشركات، مشيرا إلى أن صفراء المستوي تتوافر فيها خصائص وإمكانيات السياحة حيث ندرة المتكونات الذي أهل المنطقة لتصبح موضع جذب سياحيا بجدوى اقتصادية وبيئية واجتماعية عالية، ولدعم ذلك فإنها تحتاج إلى مجموعة إجراءات علمية ورسمية تتمثل في حصر المواضع والظاهرات التي تتمتع بالجذب الطبيعي وتصنيفها وإبرازها كمنتجات سياحية يمكن تسويقها بصورة فاعلة من منظور علمي ومنهجي.

من التوصيات

أهمية البحث

بذل مزيد من التقصي

العمل على كشف تلك الحضارات

ربط أعمارها بالدلائل العمرية الأرضية في الجزيرة العربية

من نتائج الدراسة

الأجزاء الغربية من نفود الثويرات تحوي الغابة القديمة

اندثار الغابات تزامن مع الجفاف الذي حل قبل 5000 سنة

ارتفع المنحنی الحراري وانقطع المطر وحلت القحولة وتراجعت الرياح الموسمية

ساعدت ظروف على تحولها لجذوع هامدة متناثرة

صفراء المستوي شهدت تنوعا حضاريا وزراعيا وبشريا

يعود تاريخ بعض المكتشفات إلى 220 ألف سنة