ظهرت فكرة بنوك الحليب في سبعينيات القرن العشرين بأوروبا وأمريكا، بعد أن انتشرت بنوك مثل بنوك الدم وبنوك القرنية. والسبب في نشأة بنوك الحليب هو اختفاء نظام المرضعات المعمول به في السابق، ومن جهة أخرى، فإن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لمرضها أو إصابتها بمرض معد يستوجب عدم الإرضاع، مثل نقص المناعة المكتسب أو وفاتها، أو لعدم إدرار حليبها مع حاجة الرضيع لحليب الأم وعدم توفر أم بديلة ترضعه، من هنا نشأت فكرة بنوك الحليب ذلك الوقت.

كلنا يعرف مدى حاجة الطفل لحليب أمه، بالذات الأطفال الخدج وناقصي الوزن والذين يلبثون وقتا طويلا في وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة، لأنهم ناقصو المناعة، والسبب الأول لوفاة هذه الفئة من المواليد، هو حدوث الالتهابات ويرجع ذلك لنقص مناعتهم، بالذات لو عرفنا أن معظم الأجسام المناعية تنتقل من الأم لطفلها في الفترة الأخيرة من الحمل. ولأن هذه الفئة تولد دون استيفاء هذه المرحلة، يكونون ناقصي المناعة وعرضة للالتهابات التي تزيد من نسبة المضاعفات وشدتها. من هنا أتى اهتمام وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة بتوفير حليب الأم، وذلك بتثقيف الأم قبل الولادة وبعدها والحرص على تعليم الأم كيفية اعتصار الحليب في الساعات الأولى بعد الولادة، لتوفيره لطفلها الخديج.

ولأن الكلام سهل يبدو الأمر سهلا، ولكن في الحقيقة كثيرا ما نقابل معوقات، من مرض الأم أو عدم تمكنها من إحضار الحليب لطفلها أو إصابتها بمرض يتعارض مع الرضاعة الطبيعية، وأحيانا وفاة الأم بعد الولادة، فيبقى الخديج يواجه خطورة الإصابة بالالتهابات والنكسات المتعددة التي ربما نفقده في أحدها، ولذلك ظهرت أفكار عديدة لإنشاء بنوك للحليب في الدول الإسلامية، ليس تقليدا للغرب بل ضرورة يعرفها من عايشها. منذ أعوام أوقف مستشفى في بنجلاديش افتتاح بنك حليب كان مقررا افتتاحه قبل إيقافه بفترة قصيرة، كان المشروع يقوم على تجميع الحليب وحفظه مع تسجيل اسم الأم، لمعرفة الأم المرضعة، وتسجيل هوية الطفل الذي ترضعه، وكان الهدف من المشروع تخفيض معدلات سوء التغذية لدى الرضع.

إن جوهر الخلاف في موضوع بنوك الحليب ما يترتب على الرضاعة من الحرومية كالنسب، مع احتمالية جهالة الأم التي ارتضع من حليبها، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في مشروعية هذه البنوك، الذين رفضوا الفكرة قالوا إن بنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.

فكرة بنوك الحليب تشبه فكرة وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم، حيث تمت الموافقة على نظام وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم ضمن ضوابط معينة احتوتها 41 مادة، حفاظاً على الأنساب وضمان عدم اختلاطها في أي مرحلة من مراحل العلاج.

نحتاج إلى عصف ذهني لإيجاد الآلية والمعايير التي تضمن تحقيق الهدفين، حفظ الأرواح وحفظ النسب، يجب أن يكون استخدامها حصرا على الخدج وناقصي النمو، ويكون للمتبرعة الخيار إذا أرادت أن تكون أما لطفل بعد موافقة أهله بالطبع، فيعطى الطفل الخديج خمس رضعات أو أكثر من حليب المتبرعة ذاتها، وإذا لم ترغب يُعطى حليبها أقل من خمس رضعات لأكثر من طفل. ومع وجود الأنظمة الإلكترونية أصبح الإثبات والتسجيل أكثر سهولة، أتمنى أن تتبنى وزارة الصحة هذا المشروع.