لفت انتباهي عنوان لفيلم أجنبي للمخرج أليخاندرو جونزاليس يحمل عنوان «21 grams»، والعنوان ليس له علاقة بأحداث الفيلم بشكل مباشر، بل يعود لتجربة أجراها الدكتور دانكن ماكدوجال عام 1907، تفيد أن لروح الإنسان كتلة تعادل 21 غراما. فقد لاحظ ماكدوجال أن وزن المتوفى يقل بنسبة 21 غراما عند مفارقته للحياة، وهذا مؤشر على أن لروح الإنسان وجود فيزيائي قابل للقياس.

وهذا الادعاء الخاطئ، أن للروح وزنا ويمكن قياسها فيزيائيا، يصنف ضمن العلوم الزائفة «Pseudoscience». فمع كل الثورات المعرفية التي حققها العلم والنقلات النوعية التي غيرت من نمط عيشنا، وزادت من رفاهية الإنسان، كان للطريقة العلمية جوانبها السلبية في بعض أفكارنا ومعتقداتنا.

في كتاب «مساهمة في علوم الإنسان» يقول عالم النفس والمفكر الألماني إيرك فروم: «نحن الآن عبدة للعلم، وقد اجترحنا أقوالا علمية بديلة عن العقائد الدينية القديمة. فالمقاربة العلمية بالنسبة لنا ليست على الإطلاق تعبيرا عن التواضع أو الموضوعية، بل مجرد صياغة جديدة لعقيدة. يعتقد الإنسان العادي أن العالم كاهن يعرف كل الإجابات، وهو على تواصل مباشر مع كل ما يريد أن يعرف». يعكس كلام فروم واقعنا المعاصر، وكيف أصبحت نظرتنا للعلم تأخذ مسارات متطرفة أحيانا ويقينية لدرجة أن هناك من يعتقد أن العلم قادر على منحنا أي معرفة حتى تلك التي لا يمكن الوصول إليها من خلال الملاحظة والتجربة والحواس واستنتاج القوانين العامة.

لعل العلاقة بين السحر والعلم كانت جدلية على الدوام، فكل اكتشافات العلم وثوراته تكون على حساب السحر، فالعلاقة بينهما عكسية، فكلما زادت مساحة العلم انحسرت معه مساحة السحر والعكس صحيح. وبناء على هذه العلاقة الجدلية بينهما فإن السؤال المطروح هل استطاعت المقاربات العلمية لظواهر الطبيعة أن تلغي مجال السحر وتفند كل ادعاءات السحرة، أم أن هناك منطقة غامضة عجز العلم عن تفسيرها أصبحت مرتعا خصبا للسحر وأدواته؟

يعتقد كثير من أنصار العلم، أن العلم استطاع قهر كل أسرار الطبيعة، وكل ما يقع خارج حدود مجال المنهج العلمي ليس إلا خرافات وأساطير، وبالتالي أصبح السحر، حسب اعتقاد أنصار العلم ليس إلا خرافة، بعد أن صار العالم المادي ذاتي الفعل وتخضع كل ظواهره لقوانين الطبيعة ولنظرة ميكانيكية اختزالية تنفي أي معرفة أو ظواهر غير حقائقنا الحسية التي يعتمد وجودها على إدراكنا المباشر لها. مع أن المنهج العلمي ورغم إنجازاته التي غيرت من شكل الحياة وأدواته المبهرة، فإنه يقف عاجزا عن تفسير طبيعة الروح البشرية التي هي سر وجود الإنسان. والسحر موجود لأنه مذكور في القرآن الكريم بصريح العبارة، وعجزنا عن تفسيره علميا لا يلغي وجوده وينفي حقيقته، فالعلم البشري ما زال محدودا وعاجزا عن تفسير كل شيء، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

يعتقد أنصار العلم، أن العلم قادر على دراسة كل المجالات، وقادر على تنظيم معرفتنا لقهر كل أسرار الطبيعة وكل ما هو خفي وكامن في الكون، ولكن الإنسان ما زال يعجز عن معرفة نفسه، فالروح في جسده ظلت مجهولة على الدوام، واللغة التي ينطق بها عجز عن تفسيرها ومعرفة طريقة اكتسابها، بل إن العقل الذي يفكر ويجادل به الإنسان ظل هو الآخر صندوقا مغلقا يحوي من الأسرار المجهولة التي عجز المنهج العلمي عن تفسيرها وتفسير آليات عمله وإماطة اللثام عن مكنوناته الغامضة.

عجز العلم عن تنظيم حياتنا وتهذيب أخلاقنا، فنحن نعيش اليوم تحت تهديد منتجات العلم الخطرة، ومع تقدم المعرفة العلمية زادت شراسة الإنسان وتجلت خاصية العنف الكامنة في دواخله وأغواره أكثر من قبل. إن منتجات العلم لم تحسن أخلاقنا وعلاقاتنا الإنسانية بقدر ما حفزت جانب النفعية في سلوكنا، وشجعت على مفهوم المصالح المشتركة، حتى علاقات المودة والرحمة أخذت تتصف بطابع التعاقدية والشروط الملزمة.