في أحايين كثيرة يستوقفنا أشخاص في حياتنا، انجذبنا لهم ورغبنا بالحديث معهم وتكوين جسور من العلاقة ولا نعرف ما هو السبب! تلفتك هيئته أو طريقة حديثه أو غير ذلك من المؤشرات الفاتنة، المهم أن النتيجة واحدة وهي الانجذاب.

الكاريزما هي الحضور الطاغي الملفت والجاذبية المقنعة التي تلهم الآخرين وتشدهم إليه. والحضور الطاغي له أربعة أنواع حسب ما صنفه الدكتور رهاف فكري في كتابه - أصحاب الكاريزما - لربط فكرة القيادة والكاريزما، ذكر أن النوع الأول «كاريزما النجم»، وهي الحضور الشخصي المليء بالنجومية وشرحناه بالتفصيل في مقالة سابقة.

نأتي الآن إلى النوع الثاني «كاريزما الزعيم» وهي الحضور الفكري، فتجد أن القائد أو الشخص الذي يتمتع بهذا النوع من الكاريزما لا يتطلب امتلاكه كاريزما نجومية، ولكن لديه قدرة على جمع الناس وجذبهم بأفكاره ومنطقه وتغيير قناعات الآخرين، حتى ولو كانت تلك القناعات سميكة ولديها داعم نفسي في قلوب أصحابها! ففكرته مهيمنة على الساحة ولها أصداء رغم الاكتظاظ السكاني، وجوهره الداخلي وليس الخارجي ساحر وجذاب، فيمكن تشبيه التأثير بالفكر مثل دخول كورة البولينج بشموخ تدمّر الأفكار والقناعات حتى تحقق الانتصار. إضافة إلى تميز صاحبه برجاحة العقل ودقة الفهم والحكمة، مدعوما ببراعة في تكوين الأفكار والاتجاهات وشرحها وتوصيلها للناس، فالفكر موجود حتى لو لم يكن له حضور، وأثر الفكرة ما زال مؤثرا، ومن أمثلة هؤلاء نيلسون مانديلا، فقد رفض الظلم وحارب العنصرية لتحقيق المساواة بين البيض والسود ونجح في ذلك نجاحا ما زلنا نرى أثره.

يأتي بعد ذلك صاحب «الكاريزما القائد» وهو الحضور الميداني، فهو قائد يفتتن به الآخرون لدرجة أنه يستطيع تغليف قراراته الصارمة بغلاف برّاق ويسدل الستار الأسود لأحكامه بدون تردد كنهاية لقصة جميلة مما يجعلك تنفذ الأوامر بأريحية وحب فاقدا كل التبرم والضجر. يمتلك شجاعة وقدرة على المواجهة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

في الحقيقة، هناك فرق بين المدير والقائد؛ منها أن المدير يعمل بروح المركزية، فأنا رئيس وتحتي مرؤوسون، بخلاف القائد الذي يشرك الفريق معه بالاتجاه الذي يريد الوصول إليه ليساعدوه على تحقيق الهدف، بالإضافة إلى تركيز اهتمامه على الجانب الإنساني لفريقه. فالقائد الذي يمتلك كاريزما ميدانية في بيئة العمل تجد أنه يقتل التنافر الحاصل بين الموظفين ويوجههم إلى تحقيق أهداف المنظمة باستخدام الكاريزما التي يمتلكها.

وآخر نوع من الكاريزما حسب التصنيف هي «كاريزما المدير» أو الحضور التنفيذي، مثال ذلك بعض الأمهات لديها كاريزما التخطيط، من إدارة للمنزل ورعاية واهتمام بالأولاد، تعدد للمسؤوليات والمهام التنفيذية، إضافة إلى إدارة العلاقات الداخلية والخارجية للأسرة فهي حلقة وصل بين الجميع. هذا النوع من الشخصيات يجيد مهارة التخطيط وهي مهارة عظيمة للمجتمعات وأحيانا قد يكون الجندي المجهول في أي نجاح، حيث إن هذه الشخصيات غير ظاهرة في الصورة لكنها جبّارة في أثرها لأنها تنتج لنا مشروعات وتحقق لنا أحلاما.

هذه أنواع الكاريزما وكل نوع له صفاته وأدواره، فكل إنسان يسبر غور نفسه ويحدد نوع الكاريزما التي لديه ويستثمرها.

يقّدر لنا البروفيسور وايزمان الكاريزما بأنها 50% فطرية و50% مدربة ومكتسبة بتعلم المهارات، فهي قابلة للتعلم والتطوير وهي مدرسة وعلم واسع، وإن استصعب على المرء اكتسابها فليسع باستثمار جانب من جوانب الحياة يبدع فيه، لأن هذه الصفات ليست أعلى من غيرها، وليس معنى ذلك أنه إذا لم تمتلك أي نوع من هذه الأنواع ستكون إنسانا فاشلا!.

بلا شك هي قدرات مقسّمة بحكمة من رب العباد، فليس بالضرورة أن يتمتّع كل الناس بالكاريزما، فلو كان كذلك لما وجدنا أمة تقاد، ولأصبح من الصعب تجميع الناس على الكلمة، وانفجرت الشركات والمنظمات بالقادة ولم يكن هناك أي موظفين! وتقهقرت المنظمات إلى الوراء مغلقة أبوابها.

أخيرا، أعطانا الكاتب بعد بحث وتقصٍّ بين بني البشر على مر عصور التاريخ مثالا على من يتمتع بأعلى درجات الكاريزما الإجمالية، فهو يمتلك أقصى درجات صفات النجم والزعيم والقائد والمدير، وهو من تتشرف الكاريزما به ولا يزيده شرفا انتسابه إليها، وليس له ند أو حتى مقارب في كمال جميل الصفات إنه حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.