دائماً وأبداً تبقى أساليب النصب وطرق الاحتيال، في تحول مستمر وتغير سريع، فمنذ أن ابتلينا بمساوئ وسائل التقنية الحديثة، ونحن في حيرة من أمرنا مع هذه الأساليب، وتلك الطرق الملتوية التي يستخدمها الهكرز المحترفون، في اختراق أجهزتنا، الهكرز غير الشرعيين بالطبع، أو حتى الهواة محدودو المعرفة، الذين ليس لهم من عملية الاختراق هدف يذكر، سوى العبث بالشبكات والأجهزة، العبث فحسب. لقد أصبحت أساليب النصب وطرق الاحتيال تتبدل على مدار اليوم والليلة، وفي جرأة لا ينقصها سوى الإنتاج الفني، حتى تغدو حلقة درامية صوتية مسموعة، تستحق التوزيع والنشر.

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في سياق طرق الإحتيال وأساليب النصب، وليست مما تصنف ضمن الحوادث العارض حدوثها، فقد تكرر حدوث مثلها مع غير واحد من الناس، ففي الأمس القريب والقريب جداً، اتصل بي أحدهم، منتحلاً شخصية رسمية، وصفة مسؤول رفيع في أحد المراكز المالية، على حد زعمه، اكتشفت حقيقته المزيفة مع مرور الوقت الذي لم يدم طويلاً.

بدأ هذا المحتال حديثه الهاتفي معي بشكل متسارع، قائلاً: معك البنك المصرفي المركزي، لم يمنحني من الوقت ما هو كاف للاستماع إلى تتمة التعريف، الذي أدركت جزءا منه، كما لم يدع لي فرصة الاستفسار عن حقيقة هذه الجهة، التى ينتمي إليها حتى عاجلني بالقول، أنت تتعامل مع الإنترنت في التحويلات المالية، «الحديث بشكل متسارع، مطية لتشتيت الانتباه، وذر الرماد في الآذان، ولجعل تركيز الضحية على نقطة واحدة محددة ومعدة سلفاً في خلده، باعث أهمية الحدث، ألا وهي الجملة الأخيرة، التحويلات المالية عبر النت»، قلت مجيباً نعم، ثم أردف سؤاله بسؤال آخر خاطف، هل حولت مبلغا ماليا قريبا، كانت الإجابة بالطبع نعم، سبق أن حولت مبلغا ماليا، لكن قريبا لا، لا أذكر أني قمت بالتحويل في هذه الأيام، لا لا لم أحول أي مبلغ مالي خلال الأيام القليلة الماضية أبداً، النصاب وبكل وقاحة: لقد رصدنا تحويلات مالية مشبوهة خلال اليومين الماضيين في حسابك، ونحن نحاول تتبع مصدر هذه التحويلات قدر المستطاع، لذلك قمنا بالتواصل معك عبر الاتصال على هاتفك المسجل لدينا. أنا: طيب إيش المطلوب، النصاب: ممكن تزودني برقم هويتك، أنا: رقم هويتي، النصاب: من فضلك، أنا: ولكن جهة مصرفية رسمية كما تدعي أنت، يفترض أن تكون ملمة بمعلوماتي الشخصية والمصرفية والتحركية، وإلا كيف توصلتم إلى العمليات أو التحويلات المشبوهة الخاصة بحسابي كما تقول وتدعي أنت، أليس كذلك؟، النصاب: لو سمحت أبغى رقم الهوية عشان اتأكد من الرقم اللي عندي، أنا: طيب أنت قولي الرقم وأنا أقلك إذا كان صح أو خطأ، النصاب: يا أستاذ تطمن أنا حاب أخدمك، أنا: طيب أنت تعرف اسمى أكيد صح، النصاب: نعم أعرف اسمك، أنا: يعني تعرف اسمي، النصاب: أكيد أكيد، أنا:طيب إيش اسمى، النصاب: طيب لحظة «غاب لفترة زمنية قصيرة عن المشهد ثم عاد قائلاً: اسمك عدنان، أنا: عدنان إيش، النصاب: لحظة، عدنان الهوساوي، أنا: أعطني الاسم بالكامل لو سمحت، النصاب: يا أخي تطمن تطمن نحن فقط نريد تتبع هذه التحويلات المشبوهة، أنا: أقلك تراها قديمة العب غيرها، طوط، طوط، طوط. هنا أقفل المحتال الخط، منهياً تلك المحادثة دليل فشله في تحقيق مأربه، الذي يصبو إليه، بعد أن ضاق ذرعاً بأسئلتي المتكررة، وأدرك أني قد فطنت لخبثه.

لكن هنا لفتة لابد من ذكرها، فللأمانة، لا أخفيكم سراً إن قلت بأني في جزئية من حديثه كدت أسقط في شركه، وأمليه ما يريد من رقم الهوية، أو حتى رقم الحساب، لا لشيء إلا سطوة الرجل وجرأته في الباطل، وثقته المفرطة في نفسه ولأسلوب الطرح المتقن الذي انتهجه، سيما أن المحادثة جاءت متوائمة مع زمن نزول الرواتب، وتبادل التحويلات المالية التي تنشط بين الأهل والأصدقاء، في هذا الوقت تحديداً، غير أن مصدر الاتصال، ألقى بظلال الشك في نفسي. فعادة البنوك في تواصلها مع العملاء أن يكون الاتصال من خلال الهاتف الثابت، خلاف ما قام به المحتال من استخدامه لهاتفه الجوال، وبالاعتماد على الخلفية الصوتية التي استخدمت كوسيلة من وسائل التمويه والتضليل، كانت كفيلة بإيهامي بحقيقة المصدر، فكل نبرة صوت خلفية، كانت توحي لي بأن المتصل»النصاب" هو بالفعل في مركز مصرفي معتمد وموثوق، أو جهة أخرى جل تعاملاتها في الأموال والأسهم، فمن خلال أصوات العملاء والمعاملات، وعمليات التداول المالي، يمكن أن يسقط الشخص ضحية في شراكه.

على كل حال مهما يكن، فإنه من المؤكد أن هذا المحتال،المتستر خلف الكواليس المظلمة، والمتحصن بالجهل، كان يطمع باستدراجي إلى ضخ سيولة مادية إلى حسابه المشبوه، من خلال الظفر برقم الحساب الخاص بي، ومن ثم التحويل أو السحب منه.

ولختام هذا المقال أود أن أقول إنه من المضحك والمبكي في آن واحد، أن نسمع أن هناك عددا ليس بالقليل، قد ذاقوا مرارة هذه التجربة، ووقعوا ضحية لهؤلاء المحتالين، الذين برعوا فيها باقتدار.