نظل طوال سنوات عمرنا منذ وجودنا على هذه الأرض، مقيدين بالعادات والتقاليد، وملتزمين بالأعراف ومتمسكين بالدين، ولكن يظل جزء هام من تكويننا البشري، بعيدا كل البعد عن هذه القيود والمعتقدات والأعراف، حر فيما يريد ولأي جانب من جوانب الحياة يميل، يصنع حرية في الشعور في الحب والكراهية أو في التسامح.

قلب الإنسان هو الجزء الوحيد، الذي لا تستطيع كل قواعد وقوانين الدنيا أن تحجمه، أو تضعه في قالب أو تفرض عليه شخصا أو شيئا يحبه أو يكرهه.

تغنى به الشعراء على مدى العصور وكثرت عنه الكتابات، القلب يرى ويشعر ويفرق ويقرر لمن يعطي وعمن يمنع.

اليوم يكره وغدا يحب، الوحيد الذي ينفذ مفهوم الحرية المطلقة إذا ما أحب شخصا أو كرهه، تحدث عنه رب العباد في العديد والعديد من سور وآيات القرآن الكريم. ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ «الحج:46».

القلب ليس مجرد عضو بجسم الإنسان، مسؤول عن ضخ الدم وإنما هو مركز للعديد من المشاعر والأحاسيس البشرية، بل مركز للإيمان أو الكفر، القسوة واللين، الاطمئنان والخوف، البصيرة والضلال، فإذا عمي القلب واسود جوهره، فسدت حياة الإنسان. أما إذا أنار بالإيمان والطمأنينة، صلحت الحياة واستقامت.

كلمة منا تطمئن قلوب من نحب، وكلمة أخرى بقصد أودون قصد قد تدمر قلوب آخرين. حرية الحب والكراهية لدي قلوب من حولنا، نستطيع بمعاملاتنا لهم أن نحددها ونوجهها نحونا، حتي من نظن أنهم لنا كارهون، إذا بدأنا بتصرف يحمل نية صافية من قلوبنا، ستصل إليهم مشاعرنا، ولو كان بيننا وبينهم أميال.

إذا أردنا أن يتغير حال علاقاتنا بهم، لابد لنا بتنقية قلوبنا أولا، ثم نتوجه إليهم، ولابد أننا سوف نلاقي ردا جميلا وإن لم نلاق فيكفينا نقاء النية، والمحاولة تلك ما نحاسب عليه أمام خالقنا، الذي يقول في كتابه العزيز: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».

ما ينقصنا في مجتمعاتنا هذا التصرف، الدفع بالتي هي أحسن كي تنصلح القلوب وتتوجه بإرادتها لحب كل من حولها. كلنا ينظر يوميا للصلوات بالمساجد، وأولها بيت الله الحرام، الآلاف يطوفون ويصلون، ولكن قلوبهم متفرقة، يدفع بعضهم بعضا ويسابق بعضهم بعضا، بعيدا عن الألفة والمودة، كغثاء السيل ليسوا على قلب واحد، رغم كثرة عددهم الذي يستطيعون به إبهارالعالم، بوحدتهم وإيثارهم وإيمانهم، وتقديم صورة قوية عن الدين الإسلامي والمسلمين كافة، فقط لو اجتمعوا.

ولذا يجب على المربين والوالدين، في أي مجتمع من المجتمعات، تعليم الأبناء المعاني الخيرة التي دعا لها ديننا الحنيف كإيثار الغير على أنفسنا، التراحم وتقديم الطيب من القول والفعل، كي نجني الكثير مما نحبه لنا ولغيرنا، إفشاء السلام واستيعاب الآخر ولو اختلفنا معه.

تنقية القلوب من الشوائب والآفات، وعدم الانسياق وراء الذين يتقنون الوقيعة بين البشر، وعدم السماح لشخص بالتحدث عن آخر وذكر مساوئه، دون أن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه ومن ثم نحكم عليه. نجد لغيرنا ألف عذر قبل أن نصدر الأحكام، على تصرفات وكلمات تأثر صاحبها بعارض، أو مرض أو ظروف قاسية، فقصر في حق قريب أو جار أو صديق. والألف عذر يمكن أن تزداد عذرا، وهو عدم قدرة بعض البشر على حبك أو التأقلم معك !.

قلوبهم لا تهوى رؤيتك أوالتعامل معك دون أسباب، فلا تقحم نفسك في حياتهم ولا مشاعرهم أو تغضب منهم، فقط انسحب بهدوء ورقي، عله في يوم من الأيام يغيرها مقلب القلوب ويكونون لك أشد حبا وألفة.