التاريخ كما يطلق عليه «لسان الزمن»، فهل أصابته في عصرنا الحاضر تقرحات أفقدته التذوق الصحيح للحلو والمر والحامض والمالح؟.

لم يكن العيب في التاريخ نفسه بقدر ما أضافت له قلة من المؤرخين في مراحل مختلفة أكاذيب، وطمسا للحقائق، واجتهادات غير موفقة. يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي:

«وما بعض كتب التاريخ فيما

روت لقرائها إلا حديث ملفق

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا

فكيف لأمر الغابرين نصدق!!».

في مقاله الأسبوعي «عسيريات»، تناول الأخ الصديق أحمد عسيري موضوعا حيويا (طور سنين.. عسير وقصة النبي موسى عليه السلام)، وقد سبر غور هذا الموضوع برؤيته النقدية الثقافية والتاريخية الرصينة، واستطاع أن يقنع المتلقي بحزمة من آراء باحثين ومؤرخين لهم ثقلهم المعرفي في الأوساط العلمية والثقافية.

نعم جاء مقال أحمد عسيري ليدق ناقوس الخطر، وينبه عن بعض بحوث تاريخية، خاصة التي لم تستطع إقناع العقل والمنطق معا. ونتذكر منذ سنوات مزاعم وتخرصات كمال الصليبي، التي ماتت في مهدها، كونها لم تجد لها قبولا أو مصداقية بين أوساط الباحثين ومراكز البحث في العالم. ودعم تلك الأكاذيب أن التوراة، وفق رأي كبار المؤرخين في العالم، خضعت من قرون للتأليف والتبديل.

إن الكثير من بدايات الاستعمار في مراحل التاريخ المختلفة بدأت مخططاتها من خلال إسقاطات لغوية مغلوطة، حملها مؤلفوها آنذاك ما لا تحتمل، لتدخل عنوة في جغرافيا اللغة والسياسة والتاريخ، حتى أعتقد الناس بصحتها كحقائق ثابتة.

والسؤال الذي طرحه متخصص في التاريخ منذ سنوات: هل هناك ظاهرة «غسل التاريخ»؟.

أتمنى أن نجد الإجابة الوافية من أهل الاختصاص.

لم تتبدل تلك القناعات من الناس إلا بعد سنوات من الزمان حين تصدى لها باحثون ومثقفون، وفندوا تلك الأكاذيب والانحرافات والمزاعم، وما زال التاريخ بحاجة إلى إعادة قراءته من خلال منهج علمي متخصص، لتنقيته مما علق به عبر العصور.

وتحظى المؤلفات التاريخية باهتمام خاص في بلادنا، ودعم ومتابعة وتشجيع للمؤرخين والباحثين لما يلقي الضوء على تاريخ المملكة العربية السعودية المجيد.

هذا الوطن الذي لم يعرف الاستعمار له طريقا، وحقق له الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أعظم وحدة عرفها التاريخ الحديث.

وها هي السعودية العظمى تسير اليوم نحو البناء والتقدم والمستقبل الواعد بحول الله.