يُعتبر المنصب الإداري «مدير/ رئيس/ مشرف» أهم عنصر لنجاح المؤسسات، بل هو قلب أي مؤسسة قطاع عام أو خاص، حيث يُلقى على عاتق من يشغل هذا المنصب مسؤوليات كبيرة، تُؤثّر بشكل مباشر في مستوى أداء العمل وإنتاجيته.

ولهذا من المسلم به على من يشغل هذا المنصب، أن يكون ذا كفاءة عالية يمتلك خصائص شخصية مميزة، لديه مهارات القيادة، يحمل العلم والمعرفة والخبرة الكافية، بما يمكنه من إدارة المؤسسة إدارة ناجحة بكل المقاييس.

سيكون حديثنا هنا عن الإدارة في القطاع الحكومي، وذلك لأن ظاهرة «إدارة دون مدير كفؤ» أكثر انتشاراً فيه مقارنة بالقطاع الخاص، فلماذا هذه الظاهرة متفشية هنا؟ للإجابة على ذلك، أطرح بعض التساؤلات «وهي في صلب الموضوع»:

هل نحن في القطاع الحكومي نعي أهمية منصب من يجلس على قمة الهرم، ونحرص على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟ أم أنه مجرد منصب تشريف/بريستيج لا أقل ولا أكثر، نعين فيه من نحب بغض النظر عن كفاءته؟

هل نجد صعوبة التمييز بين الأكفاء وغير الأكفاء، لذا نخفق في الاختيار؟.

في اعتقادي القاصر وباختصار شديد، أن سبب انتشار هذه الظاهرة في القطاع الحكومي، راجع لنظام الخدمة المدنية، الذي يحتاج إعادة غربلة شاملة، وأهم نقاط القصور في هذا النظام، هى وضع «مدير/ رئيس/ مشرف»، في مكانه فوق القانون، لا تتم زحزحته من المنصب، بغض النظر عن قصوره وتقصيره، وما زاد الأمر سوءا هو وجود موظفين ضاعوا بين الولاء والخوف والرهبة، مما زاد في غروره وتسلطه وكبريائه، واعتقاده بأن المنصب هو حق شرعي مكتسب، فهو سيد القوم الذي لا يمكن مساءلته.

لنأخذ كمثال ظاهرة التسيب من العمل، وعدم الالتزام بالحضور والانصراف، السبب الرئيس وراء تفشي هذه الظاهرة، بشكل يؤثر في إنتاجية العمل، هو أن من يجلس على قمة الهرم لا يلتزم بالحضور والانصراف، آخر موظف يحضر لمقر العمل وأول موظف ينصرف منه، ولحل هذه الظاهرة تم تدشين نظام البصمة «لدى معظم دوائر القطاع الحكومي».

وهي فكرة رائعة، لكنها لم تحل المشكلة؟ لأننا وقعنا في المشكلة نفسها، فقد تم إعفاء/ التغاضي عن المسؤول «مدير/ رئيس/ مشرف» بيده كنترول البصمة، فهل سيحاسب نفسه، بعد هذا فهل نتوقع من بقية الموظفين الالتزام بالحضور والانصراف؟! .

والأمر المعيب هنا أن هذا المسؤول غير الملتزم بالنظام، هو من يحاسب بقية الموظفين على عدم التقيد بالنظام، فلا غرابة أن نجد عددا من الموظفين يحضرون صباحا، يبصمون ويغادرون مقر العمل فوراً، والذي لم يغادر منهم «كردة فعل» لا يؤدي العمل كما يجب. هذه ردة فعل طبيعية «إذا كان رب البيت بالدف ضارباً... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص».

إن موظفي القطاع الحكومي صالحون ومنتجون ومتميزون، فقط يحتاجون إلى قدوة صالحة في بيئة العمل، يحتاجون إلى نظام عمل واضح عادل بوجه واحد، يحتاجون إلى مدير كفؤ يترأسهم، اذهب أولاً أصلحه، ليكون قدوة حسنة فيصلح بقية الموظفين. أعلم أن حديثي هذا قد لا يعجب البعض، ولكننا نتحدث عن وطن، نتحدث عن المملكة العربية السعودية، فهي منقوشة في قلوبنا بالولاء والحب والتضحية والفداء، لا مجال للمصالح الشخصية ولا المحسوبية على حساب الوطن.

العمل في القطاع الحكومي ليس مجرد وظيفة، بل هو الوطن شعباً وحكومةً، إنه ليس مجرد مؤسسة خاصة، تدار كيفما نشاء وبمن نحب، لا وألف لا، هناك خطوط حمراء حذاري من تجاوزها، إن المنصب الإداري «مدير/ رئيس/ مشرف»، هو تكليف وليس تشريفا، إما أن نؤدي عملنا كما يجب، أو نتنحى ليمتطي الجواد من هو أكفأ منا، وهنا تبرز وطنيتنا وولاؤنا لولي الأمر، وغير هذا فهو هراء. اعتدت في مقالاتي «المقلة في حق وطني»، بعد طرح الموضوع، وضع بعض المقترحات من وجهة نظري القاصرة، ومقترحاتي لحل ظاهرة وجود «مدير/ رئيس/ مشرف» غير كفؤ في إدارتنا الحكومية، هو التالي:

أولاً: حل هذه الظاهرة في المقام الأول، يأتي من الموظفين في جميع الإدارات الحكومية، يجب أن يتفهم هؤلاء بأن منصب مدير، ليس حكراً أو وراثة لهذا أو ذاك، إن عقدة الخوف والسلبية - وهذا لا يهمني- صفات سلبية يجب أن تختفي، المصالح الشخصية والمحاباة والأنانية يجب أن تزال.

إن مجرد التذمر من تصرفات وسلبيات المدير غير الكفؤ غير مجدٍ، إذا كانت تلك السلبيات لا تقابل بوقفة فعلية شجاعة، في وجه المسؤول غير الكفؤ، وإظهار سلوكه السيئ، وإلا سيبقى ذلك مجرد لقلقة باللسان لا تفيد الوطن، صوت الموظف سوف يكون ذا أهمية وتأثير.

حكومتنا الرشيدة أيدها الله، سهلت لك السبل لتعبر عن رأيك، ولتوصل صوتك بصورة مسموعة، عن كل تقصير تعيشه أو تراه أو تسمع به في محيط عملك، وذلك عبر إيجادها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة». ستؤدي عملها على أكمل وجه، إذا وضعت يدك بيدها، فصوتك مسموع لديهم. تبليغك عن أي فساد إداري أو مالي هو عنوان ولائك لوطنك.

ثانياً: يجب مساءلة أي مسؤول عن تكليف أي موظف غير كفؤ، في منصب «مدير/ رئيس/ مشرف»، على أي أساس كلفت هذا؟.

ثالثاً: على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وضع آلية لمشاركة الموظفين في تقييم «مدير/ رئيس/ مشرف»، وتكون درجات تقييم هذا المسؤول مناصفة، بين مدير عام الإدارة والموظفين في القسم. رابعاً: تقييم «مدير/ رئيس/ مشرف» يكون على أساس إنتاجية ومخرجات العمل، وتشخيص كل ما يدور في القسم من مشاكل إدارية، وشخصية مع الموظفين والمراجعين.

في الختام.. يجب أن نعي بأن تعيين أي موظف غير كفؤ، على قمة الهرم في إدارة حكومية، هو فساد إداري، خطره على وطننا أفدح من الفساد المالي، إنها سياسة خبيثة تدمر الوطن، بتقويض أركانه ومؤسساته ومجتمعه، وأمنه وأمانه وهدر لمقدراته، وهو أمر غير مكلف لأعدائنا لتدمير بلادنا، فلنكن واعين متيقظين لهذا الأمر. المطلوب باختصار أن نعمل ونحرص،ونشدد على أن من يتم تعيينه على قمة الهرم، يكون شخصاً مؤهلاً بكل مقاييس الكفاءة والجدارة والنزاهة، وهذا يندرج تحت عنوان «الولاء للملك والوطن».