سلط مشروع أقامته بلدية محافظة صبيا تمثل بإنشاء حديقة سميت حديقة الجادة بمحاذاة سور المتحف توجد فيه قصور الأدارسة مزيدًا من الاهتمام والجذب للزوار والمتنزهين والمهتمين بالآثار إلى تلك القصور وجعلها مزارًا سياحيًا لكل من شاهدها عن قرب من داخل المحافظة أو خارجها.

وتعد قصور الأدارسة من بين أميز المواقع الأثرية التي تعج بها منطقة جازان، والتي وصلت حسب آخر إحصائية لموسوعة آثار المنطقة إلى أكثر من 400 موقع في عموم محافظات المنطقة، وتشكل في مجملها رمزًا لفترات زمنية أثرت في تاريخ المنطقة وسياستها وحضارتها.

وتتنوع تلك المواقع بين قصور وقرى أثرية وقلاع وبيوت ومساجد وآبار تاريخية، تحتوي على صخور وأعمدة وفخاريات وكتابات ونقوش وزخرفات.

وتقع أطلال وقصور دولة الأدارسة شمال شرق محافظة صبيا، وقد حكمت هذه الدولة المخلاف السليماني إلى منطقة تهامة عسير في مطلع القرن الـ14 الهجري وحتى توحيد المملكة، وما زالت آثار وقصور الأدارسة شامخة حتى الآن، وهي تتكون من مجموعة من القصور والغرف والمجالس ومسجد، وإن تهدمت بعض أجزائها لتقادمها إلا أنها ما زالت تحتفظ بكامل عنفوانها ومجدها التاريخي، وهي منشأة على أرض كبيرة المساحة محاطة بسور كبير الارتفاع والمساحة لحمايتها.

المخلاف السليماني

أوضح المؤرخ والباحث في آثار منطقة جازان علي جابر شامي لـ«الوطن» «كانت منطقة جازان - المخلاف السليماني قديمًا - مطلع القرن الـ14 الهجري مرتعًا للفوضى والاضطرابات والنزاعات القبلية، وفي هذه الأثناء كان هناك فتى ولد سنة 1293هـ/ 1876م بمدينة صبيا هو السيد محمد (الثاني) بن علي بن محمد (الأول) الإدريسي، أخذ العلم عن والده السيد علي ثم عن بعض علماء صبيا وأبوعريش، ورحل لاحقًا إلى مكة المكرمة ثم إلى مصر، والتحق بالجامع الأزهر، وكان ذكيًّا نبيهًا جامعًا لكل ما تعلم، فحاز على إجازات شيوخه ومعلميه، وكان وجوده في مصر يعني قربه من مسرح الأحداث السياسية والثورات الداخلية والتحولات الدولية، ما جعله يتطلع إلى عمل ثوري يصنعه بنفسه ومشروع بناء يشيده بفكره وبيده، ولم تكن هناك منطقة أصلح من منطقة المخلاف السليماني يمكن أن تكون مسرحًا لذلك البناء.

مراحل التأسيس

عاد الشاب الطموح من رحلته العلمية إلى مسقط رأسه صبيا ليجد المنطقة مهيأة لمشروعه الكبير، لا سيما أن النفوذ العثماني زاد حينئذ ضعفًا وتضعضعًا، واشتد تبعًا لذلك أوار الفتن والحروب بين القبائل، وبدأ السيد محمد الإدريسي في مراحل تأسيس إمارته من لحظة وصوله إلى صبيا وذلك وفق إستراتيجية تقوم على ثلاثة محاور:

- استقطاب الناس إلى مجلسه بكل حفاوة وكرم وخلق نبيل فجمع الناس من حوله حتى ضمن ولاء أغلبهم لمواجهة معارضيه وبخاصة العثمانيين.

- الدعوة إلى المبادئ الدينية الصحيحة بالوعظ والإرشاد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر.

- الإصلاح بين القبائل المتنازعة والقضاء على العداوات والثارات بينهم، وتأسيس مجلس قبلي من شيوخ القبائل لضمان عدم اعتداء قبيلة على أخرى ووقعت المعاهدات بذلك.

هزيمة العثمانيين

لما رأى الناس الأثر الإيجابي لهذه الإستراتيجية على جوانب حياتهم الدينية والأمنية أقبلوا إليه مبايعين ومعاهدين، فكان ذلك إعلانا بقيام الحكومة الإدريسية وظهور أمرها في المخلاف السليماني وتهامة عسير عام 1326هـ/ 1908م، وهكذا كانت نشأة الأمارة الإدريسية في المنطقة.

واستطاع الإدريسي إدخال المخلاف السليماني في محور السياسة الدولية حينما سارعت الدول العظمى للتعاون معه حتى تمكن من هزيمة الدولة العثمانية وإخراجها بصورة نهائية من منطقة جازان، كما كانت علاقته بالملك عبدالعزيز وثيقة حتى وفاته في عام 1341هـ/ 1923م.

لم يتمكن خلفاء الإدريسي من المحافظة على إمارتهم ووحدة أراضيهم، فطلبوا الحماية من الملك عبدالعزيز فتم لهم ذلك بموجب معاهدة مكة المكرمة سنة 1345هـ/ 1926م، إلا إن الحسن الإدريسي آخر حكام الأدارسة لجازان تنكر لمعاهدة مكة فتم ضم المنطقة إلى حكم الملك عبدالعزيز وأصبحت المنطقة جزءًا من الكيان الكبير (المملكة العربية السعودية).

ويعد هؤلاء الأدارسة أحفاد الإمام أحمد بن إدريس من أدارسة المغرب من ذرية الإمام إدريس بن عبدالله المحض الحسني، وقد قدم الإمام أحمد بن إدريس من بلاده إلى مكة المكرمة ثم إلى زبيد ثم استقر بصبيا حتى توفي بها في عام 1253هـ/ 1837م.

تمازج حضارات

بين شامي أن ما يميز مباني وقصور الأدارسة أنها تمازج حضارات مختلفة منها المغربي والأندلسي والتهامي بطراز معماري وهندسي مميز وفريد من نوعه في تلك الفترة، والمواد الأولية للمباني والقصور الإدريسية وما يماثلها في تلك الفترة هي قطع كبيرة من الحجر البركاني وأخرى صغيرة فالقطع الكبيرة توضع كأساسات للمباني والصغيرة لرفع البناء على تلك الأساسات وتجلب من الجبال والحرات القريبة، وطوب الآجر الأحمر المحروق ويستعمل مع القطع البركانية الصغيرة ومادة الجص وتوضع بين تلك القطع لتثبيتها صفا فوق صف والأخشاب لبناء سقوف تلك الأبنية وعادة ما تكون من أخشاب الإثل والسدر والدوم ويفضل الدوم لقوته وطول أخشابه وأعواد المض حيث تصف فوق تلك الأخشاب في وضع متقاطع معها، فأصبحت تلك المباني والقصور عبارة عن تمازج فريد بديع تدل على إبداع وتفنن البنائين في تلك الفترة.

وقال شامي «للآثار أهمية كبيرة في تكوين ثقافة وطنية في المجتمع وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحو تاريخ البلاد وحضاراتها القديمة، كما تسهم في صناعة سياحية ومعرفية راقية كما تُكون مصدرًا موثوقًا على قائمة تنوع مصادر الدخل، ولذلك وجب المحافظة عليها، والاهتمام بها إما بالترميم إذا لزم الأمر أو بما يحفظ لها هويتها ومكانتها التاريخية».

جودة الحياة

أنشأت بلدية صبيا مشروع حديقة الجادة بمحاذاة سور الحف يضم قصور الأدارسة، وأكدت لـ«الوطن»: «أن الجادة مربع حضاري بمساحة مليون متر مربع، ضمن مجمع الحدائق والمرافق الحكومية، جرى فيها العمل وإعادة التصميم بما يتوافق مع برنامج جودة الحياة، وروعي في إنشائها طراز كلاسيكي يحاكي هوية المكان، ما جعلها محط أنظار كثير من الزوار، وهي خطة لمشروع حضري يضم مراحل متتالية بدأ فيها العمل بتنفيذ شارع الفل الذي يشمل مواقع للفنانين التشكيلين والأسر المنتجة ومحلات استثمارية للشباب والشابات، بجانب تجهيز وتوفير خدمات لذوي الإعاقة كمواقف للسيارات ومداخل مناسبة لسير العربات الخاصة بهم.

أما ما يتعلق بالمرحلة الثانية فسيتم البدء فيها قريبًا وسيتم استكمال شارع الفل بطول 1400متر ليضم ممشى صحي ومركز للتنزه وعناصر حيوية أخرى تمنح إضافة للموقع.

مكونات قصور الأدارسة

مجموعة من القصور

غرف ومجالس

مسجد

أحجار بركانية

طوب الآجر

الجص

الأخشاب

المض