يحكى أن سجينا قدم إليه عرض من سلطان أحب أن يعبث به، أراد أن يعطيه فرصة للهروب، فإن نجح في استغلالها عفا عنه وأعطاه حريته، وأخبره بأن هنالك مخرجا واحدا في سجنه، سيظل دون حراسة، خرج وترك الرجل يبحث في الزنزانة عن المخرج، فلم يترك زاوية إلا بحث فيها، وظل على هذه الحال إلى أن مالت الشمس للمغيب وعاد السلطان، وقال له: أرى أنك مازلت هنا؟! فأجابه: لقد خدعتني، بحثت كثيرا فلم أجد أي مخرج! هنا ضحك السلطان، وقال: لقد تركت لك باب السجن الرئيسي مغلقا، ولكن دون أن أقفله. الرجل التعيس لم يجرب فتح الباب، رغم أنه كان أمامه طوال الوقت.

للقصة مغزى بأنه أحيانا الإجابة تكون واضحة وجلية أمامنا، ولكننا ربما لبساطتها لا نحاول، ولكن هنا أريد أن أضيف أنه في سياق العلاقات الإنسانية في الحياة، من الطبيعي أن نشعر بالحزن والخوف والإحباط، بل بالرغبة في الانتقام وأذية المعتدي برد الصاع صاعين، ولكن إن تركنا لهذه المشاعر أن تأخذ جل وعينا وتركيزنا، وتركناها تعبث بنا لفترات طويلة، فإننا نحول أنفسنا بأيدينا إلى متخلين عن اتخاذ القرار، ونسلم المفتاح لمن لا يعرف أصلا أن المفتاح بيده.

تحدث الكثيرون عن ماهية الحرية، وعرفها كلّ منهم حسب المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها، أو الحالة الاجتماعية التي هو مقيد بعاداتها وتقاليدها، ولا ننسى عمر الفرد الذي يقوم بالتعريف، وخبرته الحياتية والتي حتما سوف تؤثر في رؤيته وتحليله، ولكن لو أننا جمعنا معظم هذه التعريفات، لوجدنا خيطا واحدا يربطها، ألا وهو تقرير المصير.


حين لا نرتقي فوق مشاعرنا الفطرية أو استجاباتنا الغريزية والباطنية أمام سلوك الآخرين وخياراتهم، ممن يدخلون دائرة حياتنا، حين نسمح لهؤلاء بتعريفنا، بل بأكثر من ذلك امتلاك مشاعرنا، بينما من يجب أن يقوم بهذا التحديد للمشاعر والاستجابات هو نحن، وعليه نتخذ قرار التجاهل والابتعاد.

كان من حق شعب اليابان أن ينحو إلى مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام، وكان من الممكن أن يتفهم العالم أجمع، لو أنهم وجهوا كل المشاعر السلبية نحو الشعب الأمريكي، بأن يسمحوا لهذه المشاعر أن تستهلكهم وتستنزف طاقاتهم، لكنهم بدلا من التركيز على المشاعر السامة، والتي كان من الممكن أن تجعل منهم شعبا مثقلا بالكراهية والحقد، وبالتالي تعيقهم عن الهدف الرئيسي، وهو إعادة البناء والتقدم، لتصبح اليابان ضمن الدول المؤثرة في اقتصاد العالم، اتخذوا قرار التحرر من تلك المشاعر والتركيز على مستقبلهم والأمل القادم مع الغد.

كان من حق الرئيس السابق لجنوب إفريقيّة «نيلسون مانديلا» أن يرى نفسه ضحية للحكومة العنصرية، سجينا مليئا بالمرارة والكراهية، لكنه بدلا من ذلك، ومن خلال التفكير بمستقبل شعبه ووطنه لجأ إلى الكتابة، ومن خلف القضبان انطلق إلى فضاء الحرية، وهو ما زال خلفها.

شهر رمضان على الأبواب، أيام معدودات، وهو الوقت المناسب الذي يجب أن نستغله لتحرير أنفسنا من القيود المفروضة عليها، والتي تعيقنا، ونحن ـ ولله الحمد ـ نعيش في وطن الأمن والأمان، جنودنا تحمي ثغورنا، ورجال الأمن يحمون الداخل، لكن للأسف يظل الكثيرون منا داخل قضبان سجون نفسية بسبب المشاعر المتضاربة، تجاه من هم حولنا أو بسبب سلوكهم، بأيدينا نصبح أسرى آلامنا وغضبنا، وغيرتنا وحتى رغباتنا في الانتقام!

رمضان يعني أن نحيد هذه المشاعر، نعم لا نستطيع التحكم في سلوك الآخرين من حولنا، ولكن يمكننا أن نتحكم بردود أفعالنا من حيث المشاعر، وما يترتب عليها من سلوكيات ومواقف، وبدلا من حمل الأثقال فوق ظهورنا نضعها جانبا على الأرض، لأنه أولا وأخيرا الخيار بأيدينا وليس بيد الآخر، وبدلا من أن نسير في الحياة مثقلي الأنفس ومتعبي الأرواح، والآخر الذي جرحك أو خيب أملك فيه لا يعلم أصلا، وقد يكون لا يقيم لمشاعرك أي اعتبار، وبالتالي من يتأذى ومن يسجن نفسه هو أنت وليس هو!

في الأيام القادمة ومع دخول شهر رمضان الكريم، لنخرج من قيد صنعناه بأيدينا، ولنَسِر عبر مخرج واضح وجلي أمامنا، قد نظن أنه مغلق، بينما هو ببساطة بلا أقفال، ينتظرنا أن نفتحه فقط لنحرر مشاعرنا.