توصف السياسة بأنها «لعبة»، ويعبر عنها أحيانا بأنها «فن الممكن»، لكنها في حقيقتها هي فن لإدارة الإمكانات المادية والبشرية، ورسم الخطط الآنية والمستقبلية، وتحويل التحديات إلى نجاحات، وبالتأكيد هي بحاجة إلى مختصين محترفين أفذاذ كما في بقية المهن، لكنها تكون فاشلة إذا أصبحت شعبوية فئوية، تراعي مصالح هذا الطرف أو ذاك، وتجامل هذه الفئة على حساب أخرى، فتغيب المصالح العليا للوطن، عندها ستفشل الحكومات واحدة تلو الأخرى، وستحدث الانقسامات السياسية تتبعها اجتماعية، تولد الفوضى والخراب وعواصف قوية، ممكن أن تعصف بالبنيان السياسي والتجربة الديمقراطية لأي دولة، وهذا ما حدث مع التجربة العراقية طوال الفترة الماضية، فكاد هذا أن يودي بالبلاد نحو نفق مظلم، تعرف بدايته ولا تعرف نهايته، بعد انطلاق مظاهرات تشرين نهاية 2019، لولا تداركها الأمر ولملمة شتاتها باختيار حكومة جديدة.

كثيرون يتفقون على أن هذه الحكومة جاءت باضطرار من بعض الكتل السياسية، وهذا ما تحاول هذه الكتل إيصاله إلى جمهورها، على الرغم من أنها مشتركة فيها، ونالت حصة الأسد من المناصب الحكومية، لذلك كان التحدي الأول أمام هذه الحكومة هو عدم وجود تجانس بين المكونات السياسية المشكلة لها، لغياب الرؤية الموحدة، وعدم الاتفاق على السياسة العامة لإدارة الدولة، وظهر هذا جليا عند التصويت على الموازنة الاتحادية لـ2021، فما فيها من إيجابيات الكل ينسبها إليه، وما فيها من سلبيات يتهم بها غيره، على الرغم من أنه تحد كبير نجحت الحكومة في اجتيازه على علاته.

التحدي الأبرز الذي كان يواجه الحكومة، واتفق الجميع على تكليفها به، هو إيقاف المظاهرات وإطفاء غليان الشارع، والفوضى التي عمت أرجاء البلاد، وكادت تطيح بكراسي أصحاب السلطة، على الرغم من أن بعض الكتل استغلت هذه المظاهرات في تحقيق مكاسب وأغراض سياسية، واتهام كثير من المشاركين فيها بتلقي الدعم والتدريب الخارجي، لكن الحكومة نجحت في مسك الخيوط المؤثرة والتعامل معها، حتى عاد الهدوء لكثير من المحافظات العراقية التي تنتظر أموال الموازنة، للشروع في مرحلة إعمار جديدة غابت عنها منذ سنين.

من المهام التي وضعت للحكومة عند تشكيلها هو التحضير لانتخابات مبكرة، وذلك يستلزم وجود مفوضية وقانون انتخابات جديدين، وقد تحقق ذلك على الرغم من المؤاخذات على عمل المفوضية، وعدم توافر الخبرة لديها، كونها لم تدير انتخابات سابقا، وتم إقرار قانون انتخابي جديد، يوفر للناخب حرية اختيار الأشخاص بعيدا عن إرادة الكتل السياسية، كما كان يحدث في القانون السابق.

وعلى الرغم من تمديد موعد الانتخابات أربعة أشهر إضافية، فإن ما تحقق يلبي طموح المتابعين والمراقبين. بعد إقرار قانون المحكمة الاتحادية، يبقى التحدي الأخير أمام الحكومة هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وذلك يتطلب توافر عوامل مهمة وجهود كبيرة، لإنجاحها، فالأمن الانتخابي يجب أن يسبق أي عملية انتخابية، وأن تتوافر الأجواء المناسبة للناخب والمرشح قبل الشروع في التصويت، وأن تكون مفوضية الانتخابات على قدر عال من الكفاءة والمهنية، تراعي صوت الناخب، وتحفظ حق المرشح، وتدير العملية الانتخابية بكل سلاسة وشفافية.

من المبادئ الأساسية في كرة القدم أن العبرة ليست باللعب الجميل والأداء الممتع، وإنما بمقدار الأهداف التي تحققها في مرمى الخصوم، لذلك فإن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد هو هدف كبير والتحدي الأبرز أمام الحكومة، للحفاظ على التجربة الديمقراطية العراقية.