تربى العديد منا على قاعدة «يزيد ولا ينقص». هذه القاعدة ترفع عنا نظريا تهمة البخل، ولكنها تدخلنا مباشرة في دائرة الهدر، وعن الهدر في المواسم لا تسأل.

منذ سنوات ونحن نناقش موضوع الهدر الغذائي عموما، والذي تتضاعف أرقامه في المواسم الدينية، وخصوصا في شهر رمضان المبارك، والذي نستعد لاستقباله خلال أيام، فتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

لن أعيد هنا الحديث الذي أشبعناه طرحا منذ سنوات عن روحانية رمضان وضرورة استغلاله لتعديل المسار الصحي للفرد والأسرة واعتباره فترة تصحيح غذائي وفرصة لتجويع البدن وتغذية الروح، فكلنا يدرك هذا تماما، وعدد محدود منا يتجاوز المعرفة للتطبيق، ولعل طوابير الأسواق التجارية الممتدة والعربات التي تفيض بالمعلبات والتي تنبئ بمجاعة تغني عن هذا التذكير والتنظير.

الحقيقة أن الحل يبدأ من منزلك، ومن مطبخك تحديدا.. قنن الاستهلاك واقلب الأرقام والقاعدة، اجعله ينقص ولا يزيد شكرا للمنعِم وتقديرا للنعمة وحفاظا على الصحة ومساهمة منك في خفض الملايين التي نهدرها سنويا والتي وصلت في آخر إحصائية أعلنتها وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى (4.066.000) طن لنحتل بهذا الرقم المرتبة الأعلى عربيا بلا فخر، ناهيك عن احتلالنا مراتب متقدمة في مؤشرات السمنة وأمراضها المزمنة، وما يترتب على ذلك من إنهاك للنظام الصحي وخفض لجودة الحياة على أكثر من مستوى.

من المفارقات أن نرى قادتنا يطلقون المبادرة تلو المبادرة للوصول ببلادنا لمصاف الدول الأولى، ونتابع إطلاق المشاريع المذهلة من حولنا دون أن نسأل أنفسنا عن دورنا الحقيقي في هذه الدائرة، ومن غير المعقول مثلا أن تطلق بلادنا مشروع السعودية الخضراء وتهدف من خلاله لتخفيف انبعاثات الكربون، بينما بيوتنا تهدم هذا البناء بالهدر الغذائي والنفايات البلاستيكية غير القابلة للتحلل وتغيب فيها فكرة التدوير تماما عن الصورة!

الأمر بيدك لكسر هذه الدائرة التي تذكرني دائما بقول الشاعر:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه..

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم!