الحماية والهوية والعاطفة، التي يدخل ضمن نطاقها الحب والانتماء، تعتبر ضمن أهم احتياجات الإنسان الأساسية، وفقا لتنمية المقياس البشري التي وضعها العالم مانفريد ماكس نيف، أما الأمان والاستقرار فهما من ضمن أهم الحاجات التي ادرجها ماسلو في هرم الحاجات الاجتماعية للإنسان. هذه الحاجات تعتبر أهم الركائز التي يعتمد عليها استقرار الجنس البشري، وبالتالي تطور عقله وزيادة وعيه، مما يحفزه على تطوير المجتمعات وبنائها بما يحقق له الرفاهية المنشودة، التي يسعى إليها البشر في كل زمان ومكان.

وبما أن الأوطان هي أمهات الشعوب التي حق على ساكنيها برها، بالوفاء لها والذود عنها والوقوف معها لا ضدها، في وجه كل من أراد بها سوءا أو حمل في قلبه عليها سهام نوايا غدر، ليضربها بها متى ما واتته الفرصة، فإننا يجب أن نضع ذلك نصب أعيننا ونربي أبناءنا عليه، فالوطن هو الكرامة والعز، وهو الأمن والأمان لنا الذي إن مزقنا أمنه أو جرحنا بمخالب الغدر أمانه وثقته بنا، فإن أنياب الحاقد الذي أغرى ذمة ضعيفنا، لن تستثنيه من نهش جسد راحته وأمنه واستقراره قبلنا، فمن خان وطنه لا احترام له ولا ثقه فيه، حتى ممن استغله واشترى بالمال ذمته.

عشق الأوطان فطرة الأسوياء، فما بالكم بوطن كهذا الوطن الذي من الله علينا به، وطن أعزنا ولم يذلنا، أكرمنا ولم يهنا. وطن يعمل بجد لتأمين مستقبل أفضل لنا، ليكون امتداداً لماض وحاضر رفع به بعد الله شأننا. وطن كهذا الوطن يجب أن نحافظ عليه بكل ما أوتينا من حب وولاء ووفاء وعمل.

لا شك أن كل حي إذا كان ذا فطرة سليمة، فهو يحب الأرض التي يسكنها والقيادة التي تحكمه، والشعب الذي ينتمي إليه، لأنها مشاعر تتشكل مع النشأة الاجتماعية في المكان الذي يعيش فيه الإنسان.. ولكن يحدث أن يكون الوعي عند البعض أضعف من فطنته في التفريق بين نوايا الحقد والضغائن، التي قد يوجهها الأعداء نحو عقول أبناء الوطن، ليضربوه بيد أبنائه، فيغريه المال أو الوعود الكاذبة أو أحلام اليقظة، التي تشرب من ماء سراب ووهم بسعادة منتظرة، خارج حدود أرضه أو داخلها، ولكن بما يريده أعداؤها.

كل هذه الأحلام العفنة، عشم الخائن بها عشم إبليس في جنات الله الخالدة، فالخائن ورقة محترقة لا مكان له في وطنه ولا عند من استغله. ولكي لا نترك مجالاً لغسل عقول ساذجة أو حاقدة من أبنائنا، يجب علينا أن نعمل بصدق وقوة وإخلاص لزرع حب هذا الوطن وقيادته، في نفوس صغارنا وشبابنا، نعلمهم معنى المبايعة بحق وأنها أفعال وفاء. يجب أن نعزز ونعلي من شأن قيم عليا كثيرة، بدأت تضعف في مجتمعاتنا بشكل عام، كالصدق والحب والولاء. يجب أن نؤمن ويؤمن أولادنا بأنه لا حياة لنا خارج هذا الوطن، إلا حياة لا كرامة فيها، وألا كرامة لنا ولا راحة إن نحن ساهمنا في زعزعة أمن هذا الوطن، وزرعنا أشواك الخوف في طرقاته. الوطن أولا وأخيرا، وله ومن أجله يجب أن يكون كل شىء، في مدارسنا، وسط بيوتنا، في إعلامنا. يجب أن يكون الوطن بمآثره وتاريخه وبصماته وهويته، حاضرا ليزرع حبه في قلوبنا كنخيل بلادي الباسق، ويضرب بذور الوفاء عمق القلوب، أهدافنا الوطنية، رؤيتنا الواعدة، إنجازاتنا العظيمة، وهويتنا السعودية النقية، يجب أن تكون قلائد فخر يعرفنا الغريب بها قبل أن نتحدث.

الاستقرار سعادة تفسد بخيانة الوطن، لذلك فهذه الخيانة خيانة عظمى بالفعل، تستحق منا وقفة شعب مع قيادة واحدة، حتى نضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه، محاولة النيل من أمننا واستقرارنا. فالوطن خط أحمر تجاوزه تهلكة تعود أولا وأخيرا على صاحبها.