رمضان يا شهر المحبة.. مرحبا، زين الأهلة أنت يا رمضان، فيك الجمال يطل في آياته، شهر به يتعاظم الإحسان، من بدئه تزهو المآذن خشعا، وبكل بيت يختم القرآن، هذه الوصلة الإنشادية، هي جزء بسيط من روزنامة الأهازيج التي يصدو بها المسلمون في أرجاء الوطن العربي والإسلامي، ترحيبا وابتهاجا بمقدم شهر الخير، رمضان، فالأهازيج أو المجسات كما تسمى في منطقة الحجاز ما هي إلا نافذة بوح.. ينثر منها المنشد بعضا من المشاعر الرمضانية التي تخالط وجدان كل مسلم، ترحيبا بهذا الشهر العظيم.

قبل سنة من الآن، أي في رمضان الماضي كان الغالب الأعم من المسلمين يمنون أنفسهم بقدوم رمضان آخر، خال من وباء فيروس كورونا، وقد اعتمدوا في أمنياتهم تلك، كما اعتمدها الآخرون من الناس على تقديرات الخبراء وتوقعات بعض العلماء الذين صرحوا بعدم إمكانية استمراريته لأكثر من سنة على أكثر تقدير، مع احتمالية انتهائه تماما من على وجه الأرض في غضون سنة وبضعة أشهر. غير أن توقعات أولئك الخبراء والمختصين لم تتحقق وخالفت جميع الأمنيات، وفور أن تضاربت الأنباء حول بقائه لفترة زمنية أطول من عدم ذلك، أصبحنا نحن المسلمين مثقلين بالأماني، فتارة نمني أنفسنا بالعودة والعيش في الأجواء الرمضانية التي ألفناها من قبل، قبل أن يداهمنا الفيروس، بحيث ننعم فيه بجميع تفاصيله الروحانية العظيمة منها والدقيقة.

نمني أنفسنا بأن نرى تلك الأعداد الغفيرة من المصلين وهي تعود وقد اكتظت بهم المساجد عن بكرة أبيها، وامتلأت، الجوامع بالعباد النسك المعتكفين في أركانه وجنباته، ونمني أنفسنا تارة بسماع الأهازيج الرمضانية يشدو بها أطفال الحارة وقد ارتفع صداها بين الأزقة والطرقات، دون أن يحول بينهم حائل أو يعيق تواصلهم عائق، وتارة أخرى نمني أنفسنا بتوشح الحارات القديمة والأحياء الحديثة على ضوء تلك الأهازيج بأجمل الألوان الزاهية، والفوانيس قد تدلت تضيء لنا أركان الحارة.

وتارة نمني أنفسنا بأن نرى تلك الأبواب المغلقة مشرعة تتلقى الأحبة بعد غياب طويل، واللحظات التي يوفد فيها الجيران أبناءهم بمختلف أطباق الحساء والمقبلات وألذ المشويات الرمضانية قد عادت، ونمني أنفسنا بالتجوال في هاتيك الحارات العتيقة جداَ المملوؤة بعبق الماضي، المرصعة بالرواشين الخشبية والمزينة بالمشربيات والمقتنيات الرمضانية المستوحاة من وحي الطبيعة، ورائحة البخور والعود والريحان قد فاح عطرها من شرفات البيوت، ونمني أنفسنا بتوالى تلك العادات الرمضانية تباعا طيلة أيام الشهر الفضيل، وتستمر الأمنيات.

نعم لقد عاد إلينا رمضان مرة أخرى، والعود أحمد، لكنه لم يعد كما كنا نرجو، عاد وما زالت تغمرنا بعض الأحزان، والفرحة بقدومه لم تكتمل بعد، لكن قدر لنا الله أن يحل علينا شهر رمضان المبارك، وويلات الفيروس لم تنفك عنا بعد.