حوّلت القنوات التليفزيونية شهر رمضان إلى موسم للتسابق على عرض الأعمال التليفزيونية على شاشاتها، فمن المسلسلات الاجتماعية إلى التاريخية والكوميدية، والبرامج الترفيهية وبرامج المسابقات والمقالب والفوازير، تشغل معظم وقت المشاهد في لهاث متواصل خلف أعمال تتهافت بجملتها على العرض خلال شهر واحد، فيختلط صالحها مع طالحها، ويظلم بعضها بعضا، ولا تحظى بفرصة للتقييم والمتابعة الهادئة التي تنصف العمل، وتقرر مدى نجاحه الفني من مدى سوئه.
عاملون في الوسط الفني يرصدون هذه الظاهرة، وتتباين وجهات نظرهم في رؤيتها، فمنهم من يراها حالة إيجابية فرضها التسابق الإعلاني، وهو مهم، ومنهم من رآها ظلما للعمل الجيد، ومنهم من اعتبرها إشكالية حتى في توفير
فرص عمل للكوادر الفنية، بمن فيهم الممثلون غير القادرين على تنسيق أوقاتهم بين أعمال عدة.
بروز والشهرة
يقول الممثل علي السبع: «تستغل التليفزيونات العربية جمعة الأهل عند الإفطار وبعده في رمضان في تقديم إنتاجها، حيث قدم ممثلون، وحتى رجال دين، أعمالا وقت الإفطار أسهمت في انتشارهم وشهرتهم، لأنه وقت ذروة المشاهدة. كما أن بعض المحطات تعيد تدوير الوجوه في أكثر من عمل، حتى يعتادهم الجمهور ويصبحوا مشهورين».
ويضيف: «رفعت جائحة كورونا نسب المشاهدة بسبب المكوث في المنزل، ونسبة مشاهدة التليفزيون في رمضان مرتفعة أساسا، وهو ما يفرض على تلك المحطات الاهتمام بالنوعية، وطرح برامج قوية فيها الفكر والمحتوى اللائق بأذواق الجميع».
ربكة فنية
يرى الممثل عبدالعزيز الشمري أن «التهافت على الدراما في رمضان إرث تاريخي قديم في الدراما العربية، بدأه المصريون ثم انتقل إلى الكويت، وصار عادة موجودة نتمنى أن تزول، وأن يكون لدينا إرث لأعمال درامية مستمرة، وليست مقصورة على موسم واحد».
ويوضح: «ترتفع القيمة الإعلانية في رمضان لارتفاع نسب المشاهدة، فالإعلان قبل رمضان قد يكون بمليوني ريال، لكنه يصبح في رمضان مقابل 5 ملايين، وهذا التهافت على العرض في رمضان مربك حتى للمنتج، فلو كان لديه ممثل يقدم عملا قويا، لكنه في الوقت نفسه يقدم عملا لمنتج آخر ضعيف فنيا، فإن ذلك يؤثر على العمل الأول».
ويتابع «الشمري»: «اقتصار العمل على رمضان يرفع قيمة الممثل والكوادر الفنية التي تكون عاطلة بقية الوقت وعليها استثمار الشهر للتعويض».
لا جديد
يوضح الممثل عبدالعزيز المبدل «التهافت الدرامي على رمضان ليس جديدا، وجذب الجماهير خلاله للأعمال الدرامية والدعاية والإعلانات أمر طبيعي، لكن المشكلة حين تكرر الأعمال نفسها كما يحدث حاليا، حيث صرنا نميل للنفس القصير في الدراما، ولأعمال المنفصل المتصل».
ويتابع: «سادت لفترة أعمال نقدية تجلد الذات، وأقولها اليوم: كفانا هذا، كفانا نقدا للخدمات والقطاعات الحكومية، الآن نمر بمرحلة نهضة وتطور يجب أن نظهرها، فقد أبهرنا العالم بأعمالنا، وعيالنا 140 ألف طالب في أرقى جامعات العالم. علينا أن نبرز هذا سواء بالدراما أو المسرح أو السينما».
ويضيف «المبدل»: «تعرض علينا قبل رمضان بشهرين أو ثلاثة عدة عروض نختار الأنسب منها، وقد أثرت جائحة كورونا كثيرا على الأعمال الفنية، وعلى الأخص مواقع التصوير. ربما هناك ضعف، للعجز مثلا عن التصوير في المولات أو في قطاعات أخرى، لكننا مع ذلك متفائلون بمستقبل العمل الفني في المملكة بوجود وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود، ومع إنشاء هيئات متخصصة للمسرح والتراث والمتاحف والموسيقى والأداء الحركي، والمعاهد والكليات والأكاديميات للتعليم سواء في الفن التشكيلي أو المسرح أو التمثيل أو الموسيقى».
شهر استهلاكي
يؤكد الممثل/المخرج أسامة القس أن «رمضان تحول إلى شهر استهلاكي إعلاني، يتهافت المعلنون على تسويق منتجاتهم خلاله، خصوصا مع ظهور القنوات الفضائية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، ووجود التلفزيون كأداة رئيسة للتسلية هذا الشهر، وكانت الدراما هي حاضن تلك الإعلانات، ومن هنا بدأت دراما الثلاثين حلقة، ومع مرور الوقت أصبح رمضان الموسم الرسمي لعرض المسلسلات الثلاثينية، وشهرا للسباق الدرامي العربي، لذلك فالدراما الرمضانية مرتبطة بالسوق الإعلاني بالدرجة الأولى، ومن هنا ارتفعت القيمة الإعلانية في رمضان، الذي أكدت أنه شهر استهلاكي بالمقام الأول، ولأن حجم المشاهدة أكبر في هذا الشهر، فالقنوات الفضائية صارت مصدر التسلية لمعظم الصائمين، ومبرر الحرص على الدراما الرمضانية هو إعلاني بالدرجة الأولى، وفيما بعد أصبح أشبه بموسم للتنافس، مما يغري الجميع لطرح أعمالهم في وقت واحد، لدخول السباق، وبالطبع فهذا التهافت قد يظلم بعض الأعمال التي قد تتوافر لها عوامل الظهور والمشاهدة إلا أن حجم الأعمال بات كبيرا، وصار من المستحيل مشاهدة كل الأعمال، مما يظلم بعضها حتى لو كان متميزا».
ويضيف «القس»: «لذلك يعمد الجميع لإعادة العرض مرة أخرى بعد انتهاء موسم رمضان من أجل إعطاء الفرصة لمشاهدة العمل بعيدا عن ضغط الوقت في رمضان. فنيا وبشكل عام، فكرة الثلاثين حلقة بحد ذاتها محرقة إنتاجية، تحتاج كثيرا من الوقت والجهد، وقد تؤثر بشكل كبير على جودة العمل، خصوصا مع اشتراطات تناسب الجانب التسويقي، لذلك بدأت بعض الأعمال تعود خارج موسم رمضان بحلقات أقل، كما كان سابقا، حيث لم تكن حلقات الإنتاج الدرامي العربي تتعدى 15 حلقة تقريبا قبل سيطرة الدراما الثلاثينية الرمضانية، وهذا يعطي فرصة لإنتاج أعمال أكثر نضجا. وفي زمن «كورونا» ارتفعت نسب المشاهدة نتيجة الحظر وقلة التنقل والسفر، ولكن من ناحية القيمة الفنية فالظروف الإنتاجية في «كورونا» باتت أكثر صعوبة، من حيث التنقلات والسفر، وعدم توافر بعض الاحتياجات، مما أثر سلبيا على جودة الكثير من الأعمال المقدمة».
الوقت والفراغ
تعتقد الممثلة شمعة محمد أن القيمة الإعلانية التي تحددها الأعمال الدرامية خلال رمضان ترتفع، وكذلك نسبة المشاهدة الكبيرة لهذه الأعمال. وتقول: «لا أرى أن هناك مبررات غير الوقت والفراغ. يمكن للأعمال الدرامية أن تعرض على مدى العام، ولا تكون مقصورة على الشهر الفضيل، حيث إن كثرة الأعمال تظلم نسبة المشاهدة، فهناك أعمال نسبة مشاهدتها كبيرة لكنها ليست ناجحة بمضمون القصة، حيث أصبحت القصص متكررة، المشكلات الاجتماعية نفسها، لا جديد أبدا، لتشابه مجتمعاتنا ومشكلاتنا، ومن مصلحة العمل عرضه خارج موسم رمضان، لمعرفة مدي نجاحه من حيث قصته وإخراجه والسيناريو، وحتى أبطال العمل، وسترتفع المشاهدة، لأن الأعمال قليلة».
عادة قديمة
يوضح الممثل والمخرج عبدالرحيم الشربجي أن وجود جميع أفراد العائلة في البيت، واجتماعهم مع بعضهم بعضا أكثر الأوقات في رمضان جعل من التلفزيون هدفا لهم، ولذا ارتفعت أسعار الإعلانات فيه، وبالتالي ترتفع الفائدة التي تجنيها الأعمال الدرامية خلاله بدليل كثرة الإعلانات في المسلسل.
ويضيف: «يبرر كسب أكبر شريحة من المشاهدين الحرص على العرض في رمضان، والعمل الجيد يفرض نفسه. كما أن هناك قنوات مشاهدة يمكنها تسليط الضوء على العمل الدرامي أكثر من غيرها. وفنيا، نعم من المصلحة عرض العمل الدرامي خارج موسم رمضان، لعدم وجود زحمة في الأعمال كما يحدث في رمضان».
شهر المسلسلات
يشدد الممثل حسن أبو حسنة على أن رمضان بات «شهر المسلسلات». ويقول: «تتنافس القنوات على عرض الأعمال فيه، لكن كثرتها لا تتيح الفرصة للجميع لمتابعتها، وأنا شخصيا لا أتابع أي عمل درامي، لعدة أسباب، منها أن رمضان شهر عبادة، وللأسف أصبح السقف الرقابي لا يتناسب مع قناعاتنا، والرقيب الداخلي لا يقبل الجرأة في الطرح الذي تغلب عليه إثارة الشهوات بإظهار مفاتن ممثلات وديكورات فخمة دون أي مضمون أو محتوى جيد، مما يفقد الأعمال الرسالة الحقيقية للفن، وكثرة الأعمال المعروضة لا تعطي فرصة للمتابعة الجيدة، فربما يكون هناك عمل أو عملان يستحقان المشاهدة ويضيعان بين كم الأعمال التي ربما تصل إلى أكثر من 30 منتجا للعرض خلال الشهر الفضيل. العرض خارج الموسم بالتأكيد أفضل، والعمل الجيد لا يحتاج لموسم للعرض. في زمن «كورونا» أو غيره، المتابع الذي يبحث عن الدراما سيجدها في كل مكان، خصوصا مع سهولة إيجاد منصات للبث التلفزيوني».
مشكلة عويصة
يشخص الممثل محمد القس التهافت على عرض الدراما في رمضان بأنه «مشكلة عويصة». ويرى أنه ليس في مصلحة الممثل أن يعمل فقط على موسم واحد، وإن كان يرى أن الأمور حاليا بدأت تتحلحل قليلا، حيث بات رمضان لمسلسلات التلفزيون، بينما وجدت المنصات الرقمية لاستقطاب أعمال خارج الشهر الفضيل.
ويوضح: «ليس من مصلحة العاملين في الدراما العمل لشهر واحد فقط أو في عمل واحد. إن لم يكن بإمكانك أن تعمل إلا لشهر، ويبدأ ذلك قبيل رمضان بفترة، وينتهي قبله بأسبوع، وإذا كانت كل الشركات تعتمد النهج نفسه، فهذا يعني أن الكادر الفني لن يستطيع العمل إلا بعمل واحد، وهذا يؤثر على الفنان نفسه».
ويكمل «القس»: «رمضان تحول لموسم درامي، لأسباب تجارية بحتة ليست لها علاقة بالفن أبدا، القنوات والمعلنون يعملون كلهم في رمضان، والعائلة كلها تجلس بالبيت فيه غالبية الوقت، لذلك همهم إعلاني أكثر منه درامي، والقيمة الإعلانية يفترض ألا تتصل بالحركة الفنية التي من المفروض أن تقدم عملا وتبيعه، لا أن تتدخل في حسابات الإعلانات».
ويضيف: «القيمة الإعلانية لن توثر على الممثل، وللأسف الفكر الإعلاني صار يوثر على جودة الأعمال الدرامية، حتى إن بعضها «يسلق»، ليلحق برمضان دون أن تكتمل عناصره الفنية بشكل لائق، وإذا كثرت الأعمال ظلمت بعضها بعضا، كما تظلم المشاهد الذي يطرح أمامه 15 عملا في شهر واحد دون أن يدري ماذا يتابع وماذا يهمل».
ويتابع «القس»: «كورونا دفعت الناس للأعمال والمسلسلات الأجنبية، وخلقت كثيرا من التنوع، والجيل الجديد منفتح بحكم علاقته بالنت مبكرا، فصار يرى التنوع، وحتى الجيل الذي تجاوز الثلاثين من عمره صار بمقدوره الاطلاع على الأعمال الأخرى ومشاهدة الفارق، وهذا يغني المشاهد، وحاليا بدأت الدراما تتعافى قليلا، وسمعنا عن زخم كبير من الأعمال نتمنى أن تكون جودتها عالية، فكل نجاح لأي عمل محلي هو نجاح للكل، ويعطي الأمل للجميع بارتقاء العمل المحلي لمستوى التطلعات».
موسم درامي
يوضح المخرج السعودي سلطان العبد المحسن: «بدأ رمضان يتحول لموسم للدراما منذ أكثر من 15 عاما بسبب نسب المشاهدة العالية وتجمع الأسرة وقضاء أوقات طويلة في مشاهدة التليفزيون الذي يعد وسيلة تسلية، وهذا شجع المنتجين والنجوم على دخول الموسم الرمضاني، طمعا في نسب المشاهدة العالية، ونسبة المشاهدة تزداد بجودة ونوعية الأعمال التي تحصل على أكبر حصة من الإعلانات التجارية».
ويضيف: «التهافت وكثرة الأعمال تظلم بعضها بعضا، فبعضها غير صالح للعرض في موسم رمضان، لأن موضوعها قد لا يجذب جميع أفراد الأسرة، أو يحتاج تركيزا شديدا نفتقده غالبا خلال مشاهدة أعمال رمضان، وعرض العمل الدرامي خارج الموسم يعود بالنفع على العمل نفسه، فإن كان العمل مناسبا للعرض في رمضان، ويعتقد صناعه أنه قد يجذب عددا كبيرا من أفراد الأسرة، فأنا مع عرضه في رمضان».
تشتت المتلقي
يقول رئيس مجلس إدارة اتحاد الإعلام الإلكتروني الكويتي، فيصل الصواغ: «كثرة الأعمال تصيب المتلقي بالتشتت، حيث يختار بعضا منها، لمتابعته عن كثب، ويهمل أخرى قد تكون جيدة، وبالتالي ينبغي تنظيم عرض هذه الأعمال بشكل دوري، والعمل القوي المميز قادر على فرض حضوره في أي وقت، فالدراما عمل إبداعي في النهاية، وظروف الحجر والحظر والوجود في البيت جعلت شريحة كبيرة تتعرض للمادة الدرامية، وبالتالي ترفع قيمتها وتزيد نسبة متابعتها».
خطة برامجية
بدورها، توضح الإعلامية الإماراتية مريم الكعبي: «التسابق على عرض الأعمال الفنية في رمضان أصبح ظاهرة تحولت إلى خطة برامجية، تسعى من خلالها الفضائيات إلى استقطاب المعلنين، وتبحث الشركات المنتجة للأعمال عن الربح المادي المضمون من خلال ثقتها في وجود مشترٍ للأعمال التي تنتجها مع بعض الاشتراطات مثل بطل العمل وعدد الحلقات التي يجب أن تغطي الـ30 يوما في الشهر، ولكن الحال لم يستمر كما بدأ، فمع تزايد عدد الفضائيات وتوزع المشاهدة ومع كثافة الأعمال المنتجة، فقد كثير من الأعمال القدرة على المنافسة مع استحقاقها أن تكون على قائمة المشاهدة، الأمر الذي يدفع أكثر المهتمين بالأعمال الدرامية إلى مشاهدة الأعمال بعد عرضها الأول، ولا سيما مع كثافة الإعلانات وحصرية البث».
تنافس القنوات
غير بعيد عن الآراء السابق، يرى الممثل بدر اللحيد أن الحرص على العرض في رمضان هو مطلب القنوات التي تحرص أن تكون مميزة بأعمالها وبرامجها هذا الشهر، خصوصا أن نسب المشاهدة ترتفع جدا خلال رمضان وهذه حقيقة، والعمل الجيد يفرض نفسه، وإن كانت هناك بعض الأعمال عُرضت برمضان ولم تنجح، فإنها نجحت في الإعادة بعد رمضان، وحاليا مع وجود منصات وتنوع الإنتاج، فإن الأعمال تتميز وتتفوق أيضا خارج موسم رمضان.
مبررات الحرص على العرض في رمضان
ـ ارتفاع قيمة الإعلانات
ـ ارتفاع نسبة المشاهدة
ـ تنافس القنوات على استقطاب الأفضل فيه
ـ دخول باب المنافسة وتأكيد الجودة
عيوب العرض في رمضان
ـ تشتيت انتباه المشاهد
ـ الأعمال قد تظلم بعضها بعضا
ـ تعطل الكوادر الفنية بقية العام
ـ عدم قدرة تلك الكوادر على العمل في أكثر من عمل
ـ التركيز ينصب على عملين أو ثلاثة، وإهمال البقية حتى لو كانت جيدة