أكثر ما يؤلم النفس أن ترى أنك كمراجع، رقم على هامش اهتمام بعض الذين عليهم تسيير الأعمال الخدمية، قد لا يدرك البعض حجم الإنجاز الحضاري الذي نعيشه، فنحن في عصر رشيد تضافرت وتكاملت فيه حكمة ملك عادل حازم وعظيم مع حيوية وإبداع وشجاعة ولي عهد مقدام صاحب فكر ثاقب ومبادرات رائعة، انبثقت عن رؤية واعدة متقدمة على كثير من المبادرات، في دول تحسب أنها الأعلى كعبا في الحضارة والعلم، مثل أمريكا وأوروبا، والدليل تفوق المملكة في مراتب عالمية عدة تمس جملة نشاطات، وبالذات الاقتصادية والعلمية من خلال تقييم الجهات الدولية ذات العلاقة ولن يكون آخرها المبادرة الخضراء، فالقادم أجمل.

وبرغم مساحة الثقة وبيئة العمل الممتازة التي تحظى بها الجهات الخدمية في هذا المناخ العملي الواعد، نرى عدة نواح من بعص القصور سواء في الأمور التنظيمية لتقديم الخدمة، أو في نواحي الأداء والمتابعة، كما يبدو أن البعض اتخذ من أن التقنية، التي هي الآن سيدة الموقف، ذريعة للتنصل من المسؤولية العملية والأدبية عن أي قصور في الخدمة المعنية، وأصبح طالب الخدمة يتعامل مع آلات لا إحساس لها ولا شعور، رأسها وألف سيف أنها عنز ولو طارت، وعندما تبحث عن من تشكي له الحال تخضع لكم سؤال، ثم إذا كنت محظوظاً أعطيت موعدا، ربما بعد أسبوع أو أكثر، هذا إذا رد عليك أحد من الجهة التي تتواصل معها، فيبدو ذلك أصبح من الأماني والأحلام.

نعم التقنية فعلت وقدمت كثيرا من الخدمات، وسهلت وسرعت، ولكن عند العقدة يدوخ النجار، فلا يجد من يساعده على حل هذه العقدة أو إيضاحها على الأقل، فالجهاز مبرمج ولا يغير كلامه، جهاز عداه العيب، هذا من ناحية الشكل العام، الذي يمر على كل معني بالخدمة، فهو لا يجد من يتفهم مشكلته والعون على حلها، ومن المشاكل التي عجز بعض المنخرطين في القطاع الخاص الوصول لمن يشكي له همه ما يرويه صديقي فلان، والذي أخرجني من إجازتي الرمضانية لأكتب هذا المقال حسب الحاحة، فيقول: مكاتب الاستقدام أتعبتنا إن كان من حيث الرسوم، أو من حيث التأخر في إحضار العمالة، وقد يكون الانتظار إلى أجل غير مسمى، وطبعاً «شختك بختك وسكر في موية» يمكن بعد طول انتظار ينفض الغبار على رماد بدون نار، وتبدأ الرحلة من جديد.

أما من حيث العمالة بالأجرة الشهرية، فحدث ولا حرج، فإذا احتجت إلى عاملة صحية، فعليك دفع ما لا يقل عن ستة آلاف شهريا، وهي الغلبانة تُعطي من قبل الشركة 1200 ريال لا غير، أما الشغالة المنزلية فمثلا الكينية تعطي راتبا 850 ريالا من قبل الشركة من أصل أربعة آلاف تسفها الشركة سفا.

أما المستشفيات فنار الله الموقدة، فالرقم الذي بلغ علمي والكلام لصديقي فلان يجنن، فأنت ستخر الحامض لكي تحظى بممرضة لوالدتك أو والدك المسن، أو الشخص العاجز الذي يحتاج لرعاية، ويروي فلان عن صديقه علان، كمثل آخر للمعاناة، أن لدى زوجة علان مدرسة جميلة متفوقة، ولكنها صغيرة ويا دوب تجيب همها، نتيجة بعض العقبات التي تواجهها، وكأنها تحكي بلسان الشاعر المجهول:

تكاثرت الظباء علي خراش *** فلا يدري خراش ما يصيد.

والحقيقة أن خراش هذا صياد تكاثرت عليه الظباء وبقي حائرا يصيد هذه أو تلك، بحثا عن الأكثر لحماً وشحما، وإن كانت الغزلان قليلة الدسم على كل حال، ولكن تفرقت الظباء عن الصياد، ولم يصطد شيئا منها، والواقع أن هذا المثل جئت به بتصرف، حيث لا صيد عند تلك المدرسة، بل ربما كانت هي الظبية التي كان الصياد يريدها أسمن، هذه المدرسة جاءها خطاب من الجهة المعنية بالضمان الصحي التعاوني، أن عليها أن تؤمن ليس على المعلمات فقط، ولكن على العائلة كلها بما فيهم الزوج، مع أن الزوج يعمل في جهة قد شملته بالتأمين وعائلته، حتى إن بعض المعلمات يطلبن عدم شمولهن بالتأمين، لأن الزوج يحظى مسبقاً بتأمين مناسب من جهة عمله، وبعد شرح الموقف أصر من تواصلوا معه على أن تقوم المدرسة بالتأمين حالاً بالا، ولا أعرف هل يجوز التأمين مرتين، أم أن المؤسسة التي يعمل فيها الزوج معفية من ذلك، ولو كانت مكونا عملاقا من الشركات الكبرى، أو أحد البنوك، قد يكون هناك سوء فهم من إدارة المدرسة أو من الجهة المختصة، أو أن ذلك النظام يحتاج إلى تصحيح، لكن على أي حال يظل حق العلم مكفولا، ولكن لا أحد يفسر أو يستمع، فدون ذلك خرط القتاد، بل وعلى المدرسة أن تدفع التأمين بالتي هي أحسن خلال مدة شهر أو ستعاقب بضعف المبلغ وحرمانها من إحضار العمالة، وربما أشياء أخرى.

في رأي والكلام لصديقي أن هذا أمر غير مبصر، هذان مثلان، والأمثلة أكثر من الهم على القلب، وقد يتساءل القارئ ويقول إن هناك أمورا أكثر أهمية من هذين المثلين وتحتاج أيضاً فهماً ومعالجة، فأقول نعم ولكن الهدف الأساسي، ليس شرح كل مشكلة، ولكن هو إيضاح أن هناك صعوبة في التواصل مع بعض الإخوان مقدمي الخدمة، إلا إذا صادف ذلك يوم سعدك، ولكن عليك أن تسمع الكلام وتقول مرحبا و«أبشر»، هناك بعض إجراءات أو تنظيمات تحتاج لإعادة النظر فيها، ومن المفيد أن تراجع إذا مع التجربة اتضح عدم نضجها أو ملاءمتها.

نحن نريد قبل أن نغرق في التفاؤل ونطلب الحلول أننا، وعلى قد الحال، نريد على الأقل أن نفهم، وأعتقد طلب حبيب وابن ناس وليس صعباً.

المشكلة الأساسية أن أمامك طريقا طويلا وغير ممهد، لتصل لمن تشرح له شكواك وتبين له عناصرها، وفي كل زاوية من هذا الطريق تجد لوحة مكتوبا عليها «نأسف الطريق مغلق»، نرجو إعادة المحاولة مرة أخرى، أو «فضلاً استخدم طريقا آخر».