تفاعل شعبي ومجتمعي واسع حظي به تدشين الحملة الوطنية للعمل الخيري على منصة «إحسان» التي طورتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بمتابعة ودعم مباشر من القيادة الكريمة، وإشراف مباشر من قائد مسيرة الخير خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي دشن حملة التبرعات بـ20 مليون ريال، وأتبعه عضيده وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - الذي أعلن تقديم 10 ملايين أخرى، ومن ثم تسابق العلماء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال في ميدان الخير، ليصل المبلغ خلال ساعات قلائل إلى مئات الملايين من الريالات.

الحملة، التي انطلقت في أول جمعة من رمضانـ وستتواصل طيلة أيام الشهر الكريم، تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المباركة، في مقدمتها تعزيز قيم العمل الإنساني لكل أفراد المجتمع، وتشجيع مؤسسات القطاع غير الربحي وتوسيع أثرها، وتفعيل دور المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص باستحداث أدوات عصرية، ورفع مستوى موثوقية وشفافية العمل الخيري والتنموي، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، بالإضافة إلى الارتقاء بمفاهيم الانتماء للوطن، والتفاعل مع قضايا أبنائه.

ولأننا مجتمع خيري بطبيعته، فإن الغالبية تزداد لديها الرغبة خلال هذا الشهر الفضيل في تلمس احتياجات الغير، والإنفاق في سبيل الله، ومد يد العون للمحتاجين، وقضاء دين المُعسرين، وغير ذلك من أوجه الخير المختلفة، انطلاقا من قيم الخير المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف، وما نشأنا عليه من أخلاقيات راسخة تعود إلى عاداتنا العربية الأصيلة، وما اعتدناه من مشاركات واسعة لقيادتنا الحكيمة التي ما توانت عن مساعدة الدول الشقيقة والصديقة في أوقات الشدة، ورصدت لذلك ميزانيات طائلة، حتى بات اسمها مرتبطا بأعمال الخير، وصنفتها الأمم المتحدة في مقدمة دول العالم من حيث مشاركات الإغاثة والأعمال الإنسانية.

والمملكة عندما تبدي اهتماما كبيرا بالعمل الخيري، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، فإنها تفعل ذلك انطلاقا من مكانتها الرائدة كقائدة للدول العربية والإسلامية، وقياما بدورها الذي شرفها به الله - سبحانه وتعالى - عندما جعلها قبلة المسلمين، وحاضنة حرميه الشريفين، ومهبط رسالته الخالدة، لذلك تنأى بالعمل الخيري عن أي موازنات سياسية أو اعتبارات دينية أو حسابات طائفية أو مذهبية، وتقوم به ترجمة للمبادئ الأصيلة التي قامت عليها بأن تصبح واحة لكل مظلوم، ومقصدا لكل محتاج، وقبلة للسائلين، كما هي قبلة للمسلمين.

وفي هذا العصر الذي نعيشه تغيرت المعطيات، وتزايدت التحديات، وتعددت احتياجات الإنسان الأساسية، ولم تعد محصورة فقط في مجرد الحصول على الطعام والشراب، لذلك لم يعد العمل الإنساني يقتصر على قوافل السيارات المليئة بالأغذية والأدوية. وقد لوحظ أن عملا كثيرا من المنظمات الخيرية المتعددة التي تزخر بها بلادنا يتسم بتكرار الدعم لفئات بعينها وفي أوجه صرف محددة، ومع التقدير التام للدور الذي قامت به تلك المنظمات في السابق، وما أنجزته من أهداف نبيلة، إلا أن اتباع الأساليب التقليدية قد يحد من الآثار الإيجابية للدعم، وما ينبغي أن يتحقق منه.

كذلك كان لبروز آفة الإرهاب، التي لم تكد تسلم منها دولة من دول العالم، دور كبير في أهمية مراقبة أوجه صرف أموال التبرعات والصدقات والزكاة، حيث اعتادت تلك المنظمات المتطرفة التخفي وراء ستار العمل الإنساني والخيري، وحاولت استغلال طبيعة أبناء هذه البلاد المباركة الذين عرفوا على الدوام بحب الخير والرغبة في مساعدة الآخرين.

لذلك ازدادت الحاجة الأمنية لمراقبة مواعين العمل الإنساني، لأن الأشرار قد يستغلون تلك المساعدات في تمويل أعمالهم الشيطانية، وبرزت أهمية ضبط التبرعات، لمنع وصول تلك الأموال للفئة الضالة التي تستخدمها في غاياتها المنحرفة، وتمول بها عمليات التفجير والإرهاب. كما ارتفعت المخاوف من وقوع المساعدات المادية والعينية في أيدي العصابات الإجرامية، أو أن تصبح هدفا لمافيا الفساد المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

كل تلك المخاوف تمت مراعاتها عند إطلاق منصة «إحسان»، ويمكن القول بمنتهى الموثوقية إن منظمات الشر وكيانات الإرهاب لن تجد إلى أموال الخير السعودية سبيلا، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الجهات المختصة بمراقبة تدفق الأموال تشارك في هذا العمل مثل وزارات الداخلية والمالية والعدل، والبنك المركزي، ورئاسة أمن الدولة، وهيئة الحكومة الرقمية.

إعلان انطلاق المنصة يأتي أيضا استكمالا لتعزيز دور القطاع غير الربحي الذي اهتمت به القيادة السعودية كثيرا خلال الفترة الماضية، دعما لمؤسسات المجتمع المدني التي باتت لغة العصر الحديث، عطفا على مرونتها العالية وقدرتها على التحرك السريع وسط المجتمعات من واقع معرفة عناصرها التامة بها واحتياجات أفرادها الحقيقية. كما تهدف المنصة إلى تفعيل وتطوير المسؤولية الاجتماعية للأفراد والقطاع الخاص.

ومما يرفع من قدرة المنصة، لتكون بوابة تقنية متكاملة، تسهم في حوكمة وإدارة التبرعات واستدامتها، هو قدرتها من واقع استخدامها التقنية المتقدمة على تجويد أساليب العمل بصورة علمية تقلل احتمالات الخطأ إلى أقل درجة باعتماد التقنية، سيرا على طريق التحول الرقمي الذي يحظى بمتابعة ودعم مباشر من سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مما يعني بدء مرحلة جديدة تمثل نقطة تحول في مجال العمل الإنساني، وتحقق قفزات نوعية للتحول الرقمي، وتبني أنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات، وتفعل استخدامها، للوصول إلى أدوات اقتصاد رقمي من أجل تحقيق معدلات رفيعة من الوسائل التقنية.

بذلك تكون المملكة قد نالت قصب السبق في هذا المجال، وقدمت للعالم نموذجا عمليا في تطويع المعرفة لتحسين جودة الحياة، وتعظيم أثر المشروعات والخدمات التنمويـة واسـتدامتها، لذلك وعلى الرغم من أن المملكة عُرفت منذ توحيدها بالإحسان وتعاظم العمل الخيري، فإن مرحلة ما بعد إطلاق «إحسان» سوف تشكل صفحة جديدة وعهدا مختلفا في مسيرة العمل الإنساني ليس في المملكة فحسب بل في العالم أجمع.