ما زلنا نعيش في ظل تأثيرات جائحة كورونا وتبعاتها، ما زلنا نتداول أخبار الاحترازات المطلوبة على المستوى الفردي وعلى مستوى المجتمع والمؤسسات والأماكن العامة والمساجد وغيرها، ما زلنا نتابع يومياً الأخبار المنشورة عن عدد الإصابات وعدد الوفيات وعدد المتعافين وعدد من أخذوا اللقاح للتحصين -بقدر الإمكان- ضد كوفيد-19، وما زالت الجائحة تخيم بظلالها على طبيعة أداء معظم الأجهزة الحكومية والخاصة، وما زالت ظروف الجائحة تفرض علينا الاستمرار في كثير من الاحترازات، وذلك بسبب استمرار وجود حالات متجددة من الإصابات والوفيات بل وارتفاعها بعد انخفاض، وبسبب إحجام فئة ليست قليلة من أفراد المجتمع عن أخذ اللقاح، والذي يُقلل من نسبة وسرعة تحصيل المناعة المجتمعية ضد الجائحة، بل ويزيد من إمكانية استمرار الجائحة لفترة قد تتعدى توقعاتنا، وما سيتبع ذلك من نتائج لا تحمد عقباها.

بفضل من الله ثم بفضل قيادة حكيمة وإدارة رشيدة لجميع ما يتعلق بالجائحة من تأثيرات وعمليات وإجراءات مختلفة؛ فقد تميزت السعودية بقدرتها على احتواء الجائحة وتبعاتها، بما اتخذته من سياسات على كافة المستويات وما فرضته من احترازات مختلفة، منذ بداية الجائحة وقبل أن تتسع دائرتها، ولم تتوان الدولة في تطبيق كافة الإجراءات للحد من انتشارها، لحصرها في أضيق نطاق ممكن، والذي استلزم الكثير من النفقات والجهود الحثيثة والمستمرة لاحتواء الجائحة، علاوة على ما تكبدته الدولة من نفقات متميزة في توفير مختلف أنواع الرعاية الصحية، وفي استقبال ومعالجة من أصيب بها سواء من المواطنين أو المقيمين أو الزائرين والمعتمرين المتواجدين على أرض المملكة.

سخّرت الدولة بقطاعاتها المعنية ومؤسساتها كافة، إمكانات سخية ومتابعة دؤوبة لتوفير متطلبات الاحتراز وتنفيذ آلياته، لاحتواء الجائحة والحد من انتشارها، وبادرت حكومتنا الرشيدة بداية، بالدفع إلى تعزيز الدراسات والأبحاث الخاصة بالجائحة في مختلف مراكز الأبحاث والجامعات الوطنية، لتشارك المجتمع الدولي مسؤوليته، في توفير لقاح يحصن المجتمع من الإصابة بها، ويسهم في القضاء عليها، كجزء من جهود المملكة واهتمامها بالتنمية البشرية وبالتعاون الدولي لما فيه المصلحة الإنسانية.

كان عقد قمة العشرين بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، مع بداية انتشار الجائحة وفي ذروة تفشيها بين جميع المجتمعات؛ مبادرة لا يمكن أن نوسمها إلا بقمة الإنسانية في استشعار المسؤولية نحو جميع البشر باختلاف طبقاتهم وألوانهم وأديانهم وأعراقهم، بل وما رافق ذلك من جهود ومساعي قادتها المملكة، نحو دعم جميع الدول والمجتمعات ذات الإمكانات الاقتصادية الضعيفة أو المحدودة من الدول النامية، ليساندها المجتمع الدولي الأفضل في إمكاناته الاقتصادية وقدراته البشرية، في مقاومة تأثيرات الجائحة السلبية، التي اكتسحت كافة المقدرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، علاوة على ما اختطفته من أرواح وأنفس شملت مختلف الشرائح، من الممارسين الصحيين أو من المصابين الذين اقتنصتهم الجائحة في مرماها، فلم تفرق ما بين غني وفقير أو متعلم وجاهل أو ذكر وأنثى أو مسؤول وغيره.

منذ بداية الجائحة والمملكة تسعى بجهود إنسانية وبنفقات مادية وعينية وبشرية، داعمة لجهود منظمة الصحة العالمية وغيرها من الهيئات المعنية بالصحة والرعاية الإنسانية الدولية، والذي تحملته بسخاء ورضا في سبيل خدمة الإنسان أينما كان؛ وعليه كانت الجهود حثيثة والنفقات كريمة، في توفير أكبر كمية من اللقاحات الخاصة بالجائحة من مختلف الشركات العالمية المتخصصة والمتميزة في دراساتها وأبحاثها ومنتجاتها الصحية، ليتم تحصين المجتمع الوطني بها، بكافة شرائحه بسهولة ويسر وبتنظيم مبهر ودون مقابل مادي، إذ وفرت أفضل سبل التواصل المجتمعي مع المؤسسات المعنية، وتيسير آلية الحجز الإلكتروني، عبر تطبيقات متخصصة مثل توكلنا وصحتي، ولم تألُ جهداً في تحفيز كافة الأفراد من المواطنين والمقيمين، للمسارعة بأخذ اللقاح للوصول إلى أعلى نسبة من الحصانة المجتمعية المطلوبة.

وفي متابعة من المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء»، تم إجراء دراسة ميدانية للمستفيدين من لقاح كورونا، والتي غطت جميع مناطق المملكة الثلاثة عشر ونحو 500 مركز صحي، تبين بأن مؤشر الرضا عن رحلة تلقي اللقاح في المملكة سجل نسبة مرتفعة تصل إلى 96% من المستفيدين، والتي شملت جميع أنواع اللقاحات المستخدمة تحت مظلة وزارة الصحة، والتي تميزت في إدارتها للجائحة ومتابعتها لتطوراتها واحتوائها لأكبر قدر ممكن من الحالات المصابة.

لا شك أن ما يعانيه المجتمع من تبعات الجائحة الاحترازية القائمة، وما يتوارد إلينا من أنباء عن العودة إلى ارتفاع الإصابات بعد انخفاض؛ ليذُكّرنا بشدتها في نفس الفترة من العام الماضي، والذي سيؤدي - لا قدر الله- إلى حظر شامل في حالة استمرار تصاعد الأعداد المصابة رغم الجهود المبذولة، ورغم اللقاحات الميسرة؛

فإننا نأمل من شرائح المجتمع كافة المبادرات والمسارعة إلى أخذ اللقاح؛ للمساهمة في رفع نسبة الحصانة المجتمعية، ولتحصين أنفسهم وأُسرهم قبل ذلك، وتجاهل الأقاويل والادعاءات حول اللقاحات المطلوبة، والتي حصنت المجتمعات البشرية من كثير من الأمراض منذ سنوات طويلة؛ كما نأمل من المراكز الصحية المسؤولة عن إعطاء اللقاحات؛ التأكد من الحالة الصحية للمتلقي، والتثبت من خلوه من الأمراض المزمنة التي تمنع اللقاح، أو غير ذلك من الأعراض والإصابات السابقة، والتي قد تتسبب في أعراض جانبية لا تحمد عقباها، وأن لا يُكتفى ببيانات الحالة الصحية المسجلة إلكترونيا فقط.