يعد الجيش السعودي سادس أقوى الجيوش في العالم. هذا الجيش العظيم بات أخيرا يشهد تطورات متسارعة سواء في التدريب أو تنوع الكوادر أو التسليح أو الدعم المعلوماتي والتنظيمي أو على مستوى الإنجاز والتجربة العسكرية الحقيقية، ولكن مع كل هذا لا تزال الحاجة قائمة لإنشاء نيابة عامة عسكرية مستقلة، مرتبطة بالملك - حفظه الله - كما هو حال النيابة العامة.

ولإيضاح أهمية إيجاد مثل هذه الجهة، علينا أن نعرف أنه توجد حاليا لدى كل جهة عسكرية مجالس تأديب عسكرية، يمثل دور الادعاء فيها ضابط ينتمي للقطاع نفسه الذي يعمل فيه العسكري المتهم، مما يعني أن التحقيق يتم من قبل جهة عمله نفسها، وهذا مدعاة لتضارب المصالح.

إن الجريمة، كما هو معروف، تتفاوت بين مخالفة وجنحة وجناية، وهذا تقسيم نوعي يحدده مستوى الجريمة وملابساتها، وفي العمل العسكري قد يشكل عصيان الأوامر أو التغيب أو مخالفة التعليمات أو عدم أداء المهام أو غير ذلك جرائم تستوجب التحقيق الدقيق مع العسكري المتهم، وقد تترتب عليها عقوبات مشددة، الأمر الذي يدعو إلى تحري الحياد التام من قبل جهات التحقيق، وأن يتم توجيه الاتهام من قبل مدعٍ عام عسكري مستقل ومتخصص، لبناء قضية عادلة تنظر أمام القضاء العسكري، مما يوفر حماية كاملة لحقوق جميع الأطراف.

وبالنظر لتجربة النيابة العامة العسكرية في دول عديدة، نجد أن المهام المنوطة بها واسعة وشاملة لكل ما يتعلق بالجيش والقطاعات العسكرية، من مباشرة التحقيقات في الجرائم الجنائية التي يكون أحد أطرافها عسكريا أو من طلاب الكليات العسكرية أو من أسرى الحروب أو من القوات الحليفة أو مدنيا عاملا في وزارة الدفاع أو القوات المسلحة. كما أنها تباشر الجرائم التي تقع في الوحدات أو المدن العسكرية، وكذلك تتولى تحريك دعاوى الحق العام، وتشرف على مراكز التأديب والإصلاح العسكرية، وتشرف أيضا على تنفيذ كل القوانين والتشريعات الخاصة بالوزارات والجهات العسكرية.

ختاما.. فإن إنشاء النيابة العامة العسكرية السعودية يتطلب بالتأكيد تنظيمات خاصة، لمواءمة هذا الجهاز مع بيئتنا التشريعية ومتطلباتها، والبناء على القاعدة التنظيمية، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات، والسير بالفكرة نحو استثمار أفضل للجهود كافة.