لما وضعت تصنيفات الأجناس بادر ذوو البشرة البيضاء بوضع أنفسهم في التصنيف الأعلى والأسمى من البشر، وجعلوا في ذيل القائمة ذوي البشرة السوداء، مع أن كثيرا من الحضارات الغربية قامت على أكتاف هؤلاء السود، الذين جلبهم البيض من البلدان التي استعمروها وعاملوهم فيها معاملة تصل إلى حد الوحشية.

من يبدأ ويملك المبادرة بالأشياء يحق له وضع أولويات هذه المبادرة حيث شاء، من أجل ذلك لابد أن نعلم ونتعلم أن تكون لنا المبادرة دائما في أي مجال نعرفه، وألا نسمح أبدا بالتفريط فيما نملك من خبرات وطاقات دون أن يكون لنا اليد الطولى في اتخاذ أي قرار أو التأثير في أي نتائج.

أن نعي أننا نملك كنوزا ونستطيع أن نطوعها ونتحكم بها طالما كنا مقتنعين بها ومقدرين قيمتها، ما فرق بين البيض والسود قديما هو المعرفة والوعي والإصرار.

المعرفة هي المفتاح الأول لتأسيس أي حضارة، ونحن نملك المعرفة ولكننا لا نملك الإيمان بها، دائما لدينا فكرة مسيطرة ألا وهي أننا لا نقدر ولا نستطيع، ربما رسختها فينا عقول من سبقونا ولم تكن لديهم المعرفة الكاملة بما يملكون من ثروات، أما اليوم ومع التقدم الهائل في تبادل المعلومات فليس لدينا ما نستند إليه من حجج وشماعات نعلق عليها عجزنا.

لم تترك لنا شبكات المعلومات أي شيء يشوبه الغموض، وأعطانا المستعمرون بأيديهم مفاتيح أبواب كثيرا ما أوصدت أمامنا ولكنهم مازالوا يراهنون على أننا لا نقدر أن نعبرها، لأنهم يلقون إلينا بعضًا من فتات الأزمات والمشكلات والخلافات والتشاحن كي نظل منشغلين بكيفية القضاء على أنفسنا بأيدينا. ولكن مازال هناك أمل في صغار الشباب الذي يعي جيدا، ويعلم جيدا ويقرأ جيدا تاريخه ودينه وعقيدته، أن يغير تلك النظرة وأن يعيد ترتيب الحضارات، وأن يجعل أمته في المصاف الأولى وأن يتعقل في حل المشكلات وأن يعي جيدا من هم أعداؤه ومن يكرهون أن تكون أمته في مكانها الصحيح.

مازال هناك أمل، في إعادة ترتيب المكانة ومعرفة الأهداف وتحديد الطموحات طالما تنبض في المجتمع العربي قلوب الشباب الذين سوف يعيدون تصنيفات البشرية والتفريق بين الأبيض والأسود، ليس في ألوان البشرة، ولكن في ألوان الفكر الأبيض المستنير السامي الذي لا يظلم ولا يتعدى الحدود، وبين الفكر الهدام الأسود الذي يملؤه الحقد وسواد القلوب.

التفريق بين ما يخدم مجتمعهم وبين ما يهدمه ومن يهدمه، التفريق بين معانٍ كثيرة حدث بها لبس ولغط، شباب اليوم وصغار اليوم يملكون بين أيديهم جداول التفريق والخطوط التي سوف توضع تحت أي مسميات وتحدد كثيرا من الفروق.

علينا فقط الثقة بهم وإعطائهم فرصتهم كاملة، وأن نعي جيدا أن الزمان لا يمكن أن يقف عندنا، لا بد أن يتخطانا ونحن مجرد محطات لا مكان استقرار ولا هيمنة ولا بسط نفوذ على معلومة أو اتخاذ قرار، هناك من يستحق الثقة والفرص والمشاركة، بل وإسداء النصائح لنا.

أن نعترف له بالأخطاء، ونطلب العون في وضع الحلول وتنفيذها، ألا نجعل شغلهم الشاغل محاولة إقناع عقولنا المتيبسة بأنهم على حق وأنهم لديهم رؤية تستحق التجربة، هناك من تعلم في يومين ما تعلمناه في سنوات، هناك من يملك اللغة واللهجة وطريقة التفكير وانتظام الحركة وثقتها.

أمل لابد أن نتمسك به جميعا، أبناؤنا وإن اختلفت قدراتهم، لابد أن نعي أن لكل منهم فكره الخاص وفلسفته الجادة في الحياة، حتى وإن لم يسمح لنا بالاطلاع عليها. ما بقي لنا أن نتذكر أنفسنا ونحن في مثل سنهم، كنا نؤمن بالكثير من الأفكار وكان لدينا الكثير من الطموحات ووقفت أمامنا أياد مثبطة وأفكار قديمة، لا نريد أن نكون نحن هذه الأيادي هذه الأيام وأصحاب القديم من الأفكار لابد أن نتعلم من التجربة ونعي أن كِبر السن لا يعني كِبر الفكر.

كِبر الثقافة والإلمام بالمعلومات، لابد أن نفتح لهم المجال ونستمع كثيرا لا أن نتكلم كثيرا، فهناك من ينتظر أن يستمع إليه غيره، وينتظر أن يقرر هو ما يريد أن يفعل، يحتاج فقط المساندة والإيمان الكامل به، كي يستطيع أن يعيد ترتيب الثقافات، وأن يفرق جيدا بين الحضارات البيضاء وما قامت عليه خطأ وسميت بالحضارات المتقدمة التي حملت إلى أوطاننا مساوئ الأفكار والألفاظ والأفعال والتفرقة المتجنية بين لون البشرة، وليس لون العقل والقلب.