تقرير الأمم المتحدة حول الوضع في العراق يؤكد من جديد أن حل الأزمة العراقية بشكل جذري هو بين العراقيين، وأن العراقيين لو اتفقوا على برنامج الحد الأدنى، المطلوب لتحديد موعد الانتخابات، ولوضع آلية لنقل السلطة، لاستجابت لذلك قوات التحالف.

هناك في صفوف الأكراد من يعتقد أن المناطق الكردية قد حققت حالة من السلام والنظام، وإقامة المؤسسات، ووجود سلطة مركزية تدير الحياة العامة، وهو أمر صحيح، وبسبب ذلك، فإن استمرار الوضع الحالي لا يشكل حالة إرباك للمناطق الكردية، بل إن أي حل قادم ربما سيدفع بالأكراد لتقديم تنازلات على حساب ما تم في مناطقهم من إنجازات.

وهناك في صفوف السنة من لديه تخوفات من سيطرة الأغلبية الشيعية على أي حل قادم للأزمة العراقية، وهؤلاء يعتقدون أن الولايات المتحدة تعامل الشيعة بطريقة مختلفة، وهناك من يحمّل السنة أوزارا لا علاقة لهم بها، خاصة ربطهم ظلما بنظام صدام حسين، وهم يقولون ـ ومعهم الحق ـ إن نظام صدام لم يكن نظاما سنيا أو شيعيا، لكنه «نظام استبدادي لم ينج أحد من شروره».

وهناك أطروحات في الشارع الشيعي تتحدث عن عدم تكرار الأخطاء التاريخية، ولذلك يجب التعاطي بإيجابية مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه طرح فكرة التعجيل بإجراء الانتخابات، لأنهم يعتقدون أنهم يمكن أن يحققوا في الظروف الراهنة وضعا أفضل من حالة تأجيل الانتخابات.

مثل هذه الأطروحات والتخوفات تنطلق من رؤية لوطن بحجم الطائفة أو القومية، وليست أطروحات تفتح شبابيك العراق للهواء النقي الذي يجب أن يهب على بيوت العراقيين من أجل أن يقرروا ضرورة إقامة وطن أكبر من الطوائف والقوميات والمناطق، وهذه الأطروحات تتعارض مع أبسط قواعد بناء الأوطان، حيث ضرورة وجود تنازلات متبادلة، وحيث لا يمكن لأحد أن يفرض شروطه ورؤيته على الآخرين.

العراقيون ـ والعراقيون وحدهم ـ لو أحسنوا النية وصفت النفوس سيستطيعون نقل السلطة وإقامة الانتخابات، شريطة الإيمان والثقة في أن أزمة العراق الحالية هي أزمة نفوس لا أزمة نصوص!.

2004*

* كاتب وأكاديمي كويتي

«1949 - 2008»