حديث ولي العهد عن أهمية وجود الشغف عند اختياره للمسؤول الذي يعمل معه، تعتبر فكرة جديرة بالاهتمام والتحليل والدراسة، والحديث عنها يطول، ولكني أرغب بأن أتناول الموضوع من زاوية أخرى، زاوية المديرين، لا زاوية القادة.

أود أن أرى الموضوع من زاوية مسؤول الإدارة الوسطى. أولئك المسؤولون الذين يعملون في هرميات الإدارة التنفيذية، والذين هم بالطبع يديرون أكثر مما يقودون.

بظني أن هؤلاء المسؤولين يتوجب عليهم النظر بالدرجة الأولى في حالة اختيارهم للعاملين معهم إلى عنصر الالتزام. لأن إيجاد الالتزام في الموارد البشرية العاملة في الخطوط الدنيا والمتوسطة في بيئات العمل أهم من إيجاد الشغف.

حديث ولي العهد عن ضرورة الشغف هو في الأساس إجابة على رؤيته وفلسفته الخاصة، لأن من يعملون معه، هم القياديون الذين يديرون الوزارات والمراكز الوطنية وكبرى الشركات. ولا يمكن لصغار الموظفين أن يأخذوا هذا المفهوم وينقلوه إلى واقعهم، لأن المطلوب منهم في الالتزام أهم مما هو مطلوب منهم في الشغف. مع النظر بأنه من الإمكان تعميم رؤية الأمير على القيادات العليا في أية منظمة كانت، ولكن فقط في قياداتها العليا.

أعتقد أن الأمير يرى أن أهمية التزام الموظف العادي بساعات عمله، وأن التزامه بانتاجيته، والتزامه بالمهام البسيطة التي يعمل عليها، هي المحصلة النهائية التي سينجح فيها. وأنا أظن أن تعلق صغار العاملين بمفاهيم الشغف قد يقلب عليهم الأوضاع، وينعكس سلبًا على أعمالهم البسيطة التي يعملون فيها؛ إلّا إذا كانوا ينظرون للشغف مثلما تنظر إليه اللغة الألمانية التي تعبّر عن الشغف عن أنه (القدرة على تحمل المشقة).

في دراسة شهيرة لمؤسسة غالوب تم إجراء المسح على ما يزيد عن 120 ألف مشارك في عدد من الدول، وكانت الأسئلة تبحث عن ثلاث كلمات يوصف بها القائد صاحب الأثر الإيجابي لدى المشاركين؟ فكانت الإجابة الأولى هي (الثقة) والتي يُعبر عنها بالصدق والنزاهة والالتزام.

أعود للحديث حول الشغف الذي تحدث عنه سمو الأمير، وأقول إنه مهم جدًا وجوده لدى المسؤولين الذين يرغبون أن يعملوا معه، لأن السياقات والظروف الزمانية والمكانية التي تواجد فيها حفظه الله، تحتم على كل مسؤول يعمل معه أن يحرق المسافات للوصول إلى الأهداف بأسرع وأكفأ طريقة ممكنة، وبالتأكيد أن الشغف هو الوقود لهذه الرحلة، أما بقية العاملين في القطاعات كافة، فالأهم عليكم هو الالتزام بأعمالكم وأهدافكم المطلوبة منكم في وظائفكم.