الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لم يأت بدين جديد، ولا فكر جديد، وإنما دعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وما دعا إليه جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من إفراد الله بالعبادة، إذ أن كل رسول كان يقول لقومه (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ)، فهذا التوحيد الذي بعث الله من أجله جميع الرسل، كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)، هو الذي دعا إليه الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وأمضى حياته كلها في الدعوة إليه، فهو إذًا لم يأت بشيء جديد، ولا مدرسة جديدة، تخالف ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبه ورسائله كلها في الدعوة إلى تحقيق هذا الأصل وهو التوحيد، صحيحٌ أن عُبّاد القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، والمتبركين بالأشجار والأحجار والأموات، يُعادون الإمام محمد بن عبدالوهاب، ويصفونه بما هو منه براء، ولكن هذا غير مستغرب منهم، ففي صحيح البخاري قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم (ماجاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي وأوذي)، فكل من دعا إلى ما دعت إليه الرسل سيؤذى ويُعادى من أهل الضلال، ولكن العاقبة للمتقين.

ولا ريب أن من جهل التوحيد، وصار يطلب المدد من أصحاب القبور أو يتبرك بالأشجار والأحجار، فإنه يظن أن من يدعوه إلى ترك تلك الممارسات الشركية، وتحقيق التوحيد، يظنه يعادي الأولياء والصالحين، ويُكفر المسلمين، ويظهر في الأرض الفساد، وهذا كما تقدم بسبب جهله بالتوحيد.

ولو عرف التوحيد الذي دعا إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام لعلم أن المسلم لا يدعو إلا الله، ولا يصرف العبادة إلا لله، أما من دعا غير الله فإنه ليس بمسلم، وإن سماه عُبّاد القبور مسلمًا، قال تعالى(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) فكما ترى سمّى الله فعلهم شركًا، فما على الإمام محمد بن عبدالوهاب إذا قال ما قاله الله ورسوله عليه الصلاة والسلام؟

وظن بعض من وقع في التبرك بالأشجار والأحجار والأضرحة وطلب المدد منها، أن الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن تلك الممارسات الشركية، فسادٌ وتكفيرٌ للمسلمين، هو ظنٌ فاسد، لأنه قلب للحقائق، وإساءة ظن بالله وبدينه، قال تعالى (وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِين).

وقديمًا زعم فرعون وأتباعه أن دعوة نبي الله موسى عليه السلام إلى التوحيد زعموا أنها إظهارٌ للفساد في الأرض، كما قال تعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَاد)، وهذا من قلب الحقائق، وإلا فالفساد هو في الشرك والمعاصي، وليس في التوحيد والطاعات، ومن عبد غير الله فهو مشرك وليس مسلمًا، وحاشا الإمام محمد بن عبدالوهاب أن يُكفّر مسلما، وهذه كتبه نتحدى أن يأتي أحد بنص من كتبه يدل على تكفيره أحدًا من المسلمين، هذا لا يوجد قط، لكن بعض المنتسبين للإسلام يطوفون بالقبور ويطلبون منها المدد، وإذا قيل لهم: فعلكم هذا شرك بالله، قالوا: أنتم تكفرون المسلمين، ولو عرفوا التوحيد لعلموا أن فعلهم هذا لا علاقة له بالإسلام، بل هو شرك بالله.

والمقصود: أن الإمام محمد بن عبدالوهاب لم يأت بشيء يخالف ماجاء في الكتاب والسنة، إنما دعا إلى ما دعا إليه الرسل من تحقيق التوحيد، وقد صدق الملك سلمان حفظه الله في قوله: (أتحدى أي واحد يأتي بحرف واحد في كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب أو رسائله التي أصدرها يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم)أهـ.

وكل الأئمة والعلماء لا يدعون إلى أنفسهم، بل يدعون إلى الله، ويقولون خذوا من حيث أخذنا أي من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال ذلك الأئمة الأربعة أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وأكد ذلك سمو ولي العهد حفظه الله في لقائه قبل أيام، وأن الحق لا يُعلّق بالأشخاص، وإنما بالدليل.

وقد قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (إني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأقول لهم الكتب عندكم انظروا فيها، ولا تأخذ من كلامي شيئًا، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه) انظر: مجموعة مؤلفات الشيخ 5/‏‏32، ويقول أيضًا: (أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق) انظر: مجموعة مؤلفات الشيخ 5/‏‏252.

فلا يُعلّق الحق بالأشخاص، ولو علقناه بهم لمات الحق بموتهم، وإنما يُعلّق الحق بالدليل من الكتاب والسنة، ونحترم أئمة الإسلام من أهل العلم والإيمان الذين رفع الله شأنهم، فقال تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات).

واستشهد بهم فقط من سائر الناس على أعظم مشهود وهو التوحيد، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فقال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم).

فاللهم ارحم الإمام محمد بن عبدالوهاب، واجزه عنا خير الجزاء، واجعله من ورثة جنة النعيم، وارفع درجته في المهديين، واخْلُفْه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين.