بسرعة البرق مرت خمس سنوات من عمر رؤية، صنعها بعد الله قائد استثنائي التفكير والطموح، بمباركة ملك وهبه الله الحكمة والعمق والأمانة في تحمل المسؤولية، وحماس شعب كانت له الرؤية نافذه أطل منها على مستقبل واعد بكل خير، فانطلق بجموح لتحقيق أهدافها.

لم تكن السنوات الخمس الأولى من عمر الرؤية التي أثمرت لنا حلو القطاف أبدا سنوات رخاء أحوال صنعنا فيها إنجازاتنا، ونحن نمشي بدروب سهلة ميسرة خالية من العقبات. فحلو الثمر الذي بدأنا نتذوقه أينع وسط سنوات عجاف، ظروف وعقبات وضعها كوفيد-19 أمامنا، إضافة إلى ذلك فكيد الكائدين ومحاولات الحاقدين بكل طريق ممكن أن تخطر أو لا تخطر على بال كانت وما زالت تسابقنا في محاولة يائسة لإجهاض جهودنا ووأد أحلامنا، ولكن وبفضل من الله نحن ماضون، ولو لم نكن شعبًا صلبًا قويًا، بطموح وعزم يعانق السحاب، بقيادة ملك وولي عهد بحكمة وعزم وحزم وإصرار، لما استطاعت أهدافنا الصمود وسط انهيارات عالمية لم يتوقعها أحد.

منذ إطلاق رؤية المملكة في العام 2016 لطالما تعودنا ظهور الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والحديث بلغة جديدة وقوية، فيها طلاقة وتوثيق بالأرقام والإحصائيات والبيانات التي تدل على إلمام كبير ومفصل بحيثيات الاستراتيجيات والبرامج الحاضرة والمستقبلية لعراب تلك الرؤية، بما يعكس نظرته المستقبلية بكل إصرار وعزيمة وطموح، وفكر يتجاوز النمطية والتقليدية، بشكل يبعث في النفوس التفاؤل والأمل بمستقبل مشرق.

وبعيدا عن الأرقام والإحصائيات والبيانات المتحققة واقعًا، والأخرى التي هي في طريقها للتحقق، لفت انتباهي في الكلمات التي أدلى بها سمو ولي العهد لإحدى القنوات الفضائية بمناسبة مرور خمسة أعوام على إطلاق رؤيتنا الطموحة، حديث سموه عن مفردة الشغف التي ركز عليها كثيرًا في كلامه، فأصبحت المصطلح الأكثر شيوعًا.

شخصيًا كنت أسمع عن الشغف، لكني لم أفكر أبدًا في البحث عن تفاصيل هذه الكلمة إلا بعد حديث ولي العهد، فما هو الشغف؟ إنه تلك الكلمة التي تحرك الإنسان بمشاعره وطاقاته وتركيزه، وتوجهه نحو ما يحقق له الاستقرار النفسي في الحياة بشكل عام، فكلّ شيء نمارسه مرهونٌ بمدى شعورنا بالشغف تجاهه.

أغلبنا يعرف ما يريد منذ وقت مبكر في حياتهم، ولكن بعضنا الآخر لا تظهر لهم الأهداف والميول بشكل واضح إلا بعد محاولات عديدة، وكثيرًا ما أثرت على تشكيل حياتهم العلمية والعملية نظرة مجتمعهم وضغوط المحيطين بهم، وأحلام والديهم، مما يجعل اكتشاف الشغف بل وجوده لديهم أمرًا صعبًا ومشكوكًا فيه.

وعلى رغم من أن هذا الشغف يتأرجح أحيانًا ما بين مدٍ وجزر، وهو أمر طبيعي، إلا أن من غير الطبيعي أن نفتقد هذا الشغف، خاصة إذا اقترن بشعور الإحباط واليأس، وأنّ الإنسان الذي كان كقطعة الجمر تجاه هدف ما، أصبح باردًا لا يُحركه أي دافع لتحقيقه، فمعظم المحبطين ومصابي الاكتئاب ليس لديهم شغف، فالشغف هو المحرّك الأساسي لكلّ شيء، وعندما نتحلى بالشغف، فإننا قد لا نستطيع النوم حتى نحقق أهدافنا وقد لا نشعر بالتعب أبدًا في سبيل تحقيقها.

فطالما اعتبر الشغف الوقود الذي يُحرّكنا من الداخل، فهو الذي يمنحنا القوة والشجاعة ويدفعنا للتحدّي والتغلب بكل سهولة على خوفنا وخوض حياة مختلفة نكون مستعدين خلالها لبذل كل ما بوسعنا من جهد لتحقيق أهدافنا فيها، وفي المقابل نكون مستعدين لتقبل جميع العواقب والنتائج غير المتوقعة فيها، لكننا متيقنون مهما طال الوقت أننا سننجح في النهاية.

وأخيرا أقول لكم ولي، إن لذة الحياة التي نعيشها لا نشعر بها إلا بالشغف والولع بأبجديات بدايتها ومنتصفها ونهايتها السعيدة، لذا فادعوا الله معي ألا ينطفئ بريق شغفنا الحقيقي بالحياة، فالشغف هو الأكسير الذي سيمنحنا حياة طويلة وصحية وسعيدة، وتذكروا جيدًا أن الشغف شيءٌ نابعٌ من أعماقكم، ولن يصحو إلّا إذا أيقظتموه، لذا اصبروا وعيشوا وكونوا شغوفين بما تملكون، وكونوا على ثقة بأن بعض الصعوبات ستزول بحول الله وقدرته وبحبكم للحياة وبطاقتكم المتجددة، كيلا تكون حياتكم بلا هدف، وتنطفئ شموع لهفتكم بعد التوهج.