في ٢٨ أبريل ٢٠٢١، شاهد العالم لقاء ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حفظه الله، مع المذيع عبد الله المديفر في الذكرى الرابعة لـ«رؤية ٢٠٣٠»، الذي كشف لنا أولا عن أسلوب وإستراتيجيات ولي العهد القائد الشاب، الذي وضع السعودية في منافسة الدول العظمى، وثانيا عن تفاصيل «رؤية السعودية ٢٠٣٠»، و ما بعدها.

في الذكرى الرابعة للرؤية، تحتفل السعودية بإنجازات كثيرة في كل المجالات، ولا ننسى «جائحة كورونا» التي كادت تلغي أغلب المشاريع التنموية في المملكة، كما ذكر ولي العهد، ولكن إصرار الحكومة السعودية، وإعادة جدولة المشاريع كتبا لها الاستمرار، هذا ما جعل الحكومة ترفع ضريبة الدخل إلى ١٥٪ بشكل مؤقت.

وفي سؤال «المديفر»: ماذا لو استمرينا دولة نفطية غنية تسير فى الطريق نفسه؟، شرح سمو ولي العهد أن وجود النفط لا يعني غناء الدولة، ولدينا أمثلة على ذلك مثل العراق، وأيضا يجب النظر إلى الفرق بين بداية الطفرات النفطية في المملكة بين الماضي والحاضر، وزيادة عدد السكان في المملكة، لأن الحياة الآن مختلفة، واحتياجات الدولة والمواطنين مختلفة، لذلك يجب أن تكون هناك خطة واضحة، تشمل العديد من مصادر الدخل للملكة العربية السعودية.

وأكد ولي العهد أن النفط لا غناء عنه، ولكن أهدافنا الأساسية هي تجنب الأخطار مثل

خطر رقم ١: جودة الحياة للمواطن السعودي.

وخطر رقم ٢: الاعتماد على النفط وإهمال جوانب أخرى، ولا شك أن النفط مهم، ولكن هناك العديد من الفرص في المملكة مثل الجانب السياحي، واللوجستي و....إلخ. ومما لا شك فيه أن الرؤية تستهدف خططا متوسطة وبعيدة المدى، مما يجعل أمامها تحديات كبيرة، ومن ضمنها تحديات السنوات الخمس الماضية: الإسكان الذي تسعى الدولة فيه إلى رفع نسبة التملك من ٤٧٪ إلى ٨٠٪، بالإضافة إلى الاقتصاد والبطالة والاستثمارات الأجنبية، لجعل المملكة دولة جذابة للمستثمرين.

«مركزية الدولة» من أهم جوانب التطوير في الدول بشكل عام، وهي سياسة الحكومة، لأن الأجهزة الحكومية في الدولة وعلاقتها بالمجتمع أشبه بالجهاز العصبي للإنسان، وهذا ما اهتم به سمو ولي العهد في حديثه عن مركزية الدولة وإستراتيجية عمل الحكومة ومؤسساتها الجديدة.

وذكر سمو ولي العهد أن المملكة العربية السعودية لم تعد تريد كوادر روتينيين، يفتقرون للإستراتيجيات في العمل، وأكد أهمية دور الشباب ذوي الكفاءة والخبرة والطموح الذين يأخذون العمل كشغف ومسألة شخصية، وليس روتينا عاديا، وهذه الإستراتيجيات التي تطور الدولة وتوجهها نحو الأمام.

حديث سمو ولي العهد أثبت أنه رجل اقتصادي وقائد سياسي، وقلة قليلة جدا من القادة السياسيين الذين يتحدثون بلغة الأرقام التي لا تكذب أبدا. سمو ولي العهد لم يتحدث أمام شعبه عن أحلام بعيدة غير قابلة للتحقيق أو مسميات أيديولوجية، كما يطلقها العديد من الزعماء.

على الرغم من ذلك، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دائما التأكيد على عظمة الشعب السعودي، وأن السعودي والسعودية هما أساس التطوير والنهضة، ومن أهم الأشياء التي تهم الحكومة هي المواطن السعودي، ومن هنا تطرق إلى موضوع «دخل المواطن»، حيث ذكر سمو ولي العهد أن الأوضاع الاقتصادية كانت في تطور مستمر نحو الرؤية، وتبدل القليل من الخطط أمام «جائحة كورونا»، بالإضافة إلى أن ضريبة الدخل وارتفاع أسعار البنزين شيء مؤقت فقط، وخلال السنوات الخمس القادمة سترجع الأمور على ما هي عليه - بإذن الله- . القطاع الخاص ودور صندوق الاستثمارات العامة من أهم ما تركز عليه المملكة الآن في رؤيتها، خاصة القطاع الخاص، سواء بدعم المواطنين من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، أو جذب المستثمرين. ونرى الآن كيف أن المملكة سهلت الكثير والكثير من الإجراءات، لتيسير معاملات المواطنين الراغبين في دخول السوق السعودي، وجهزت البنية التحتية للمستثمرين الأجانب، لجذب المستثمر الأجنبي للمملكة العربية السعودية. وأكد سمو ولي العهد أن دور الصندوق العام للاستثمارات العامة ليس منافسة الشركات الخاصة، بل دعمها تحت مظلة الصندوق بهدف التنمية الاقتصادية ودعم الثروات الوطنية في عدة جوانب مثل الاهتمام بالبيئة، التي تشكل جزءا كبيرا من مساحة المملكة، سواء في المحميات البرية والبحرية أو المشاريع الجديدة المطلة عليها، إلى جانب جودة الحياة التي توفر للمواطن صحة ومسكنا مناسبا وأساسيات الحياة، بالإضافة إلى الترفيه.

استقطاب العقول نظام التعليم الجديد يهدف إلى جعل الطالب باحثا عن المعلومة، مما يساعد على زيادة قدرات الطلاب، والتركيز على زيادة مهاراتهم. الاعتدال الديني الذي يؤخذ من مصدر موثوق، حيث أكد سمو ولي العهد أن المملكة لا تتبع شيخا أو منهجا محددا، بل الحكومة السعودية منهجها ودستورها القرآن، وباب الاجتهاد مفتوح أمام العصر الحديث الذي نعيشه اليوم.

الهوية والانفتاح من أهم المواضيع التي تساءل حولها السعوديون: إلى أين تتجه الهوية السعودية أمام هذا الانفتاح الكبير والجديد على المجتمع؟، حيث شرح سمو ولي العهد أن الهوية السعودية والثقافة العربية داخل المجتمع السعودي لم تهتز أمام كل هذه الحداثة والتطورات التي يواجهها العالم، وأنها هوية قوية. وفي السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، أوضح سمو ولي العهد أن سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية تعتمد بشكل رئيسي على مصالحها الخارجية، وشرح أيضا أن الاختلافات الحالية في الساحة الدولية لم تؤثر على المملكة في شيء، وحتى في إطار الملف الأمريكي شيء طبيعي أن تكون هناك خلافات وقضايا يختلف عليها الطرفان، وهذا شيء عادي جدا في السياسة الدولية.

ومن زاوية أخرى إقليمية، تحدث ولي العهد حول أننا دائما منفتحون للحوار، ونتمنى أن ترجع علاقاتنا طبيعية مع إيران، لأننا جميعا لدينا مصالح، سواء مصالح المملكة في إيران والعكس. وأيضا الملف اليمني، الذي يشغل حيزا كبيرا في المنطقة العربية، خاصة بالمملكة العربية السعودية التي ما زالت تدافع عن حدودها من العدوان الحوثي الذي يضرب المملكة ومقدساتها، ويتعدى على جميع الأعراف والمواثيق الدولية.

وأكد سمو ولي العهد أن حربنا مع الحوثي هي حرب ضد ميليشيات عربية انقلابية، حتى لو كانت إيران هي ممولتها. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية والمستقبل، أصبح اليوم في الساحة الدولية الاهتمام بالتنمية من أكبر الأهداف، وأضحت خطط الدول أكثر وضوحا مع شعوبها، وشاهدنا محطات «رؤية 2030»، ابتداء من 2016إلي 2031، وبعد ذلك من 2025 إلى 2030.

وأكد سمو ولي العهد أن المملكة لا تقف عند هذا الحد بالطبع، بل هناك دائما مشاريع، ومنها «2040»، وأن الخطط دائما في تطوير مستمر وتجديد وإبداع.

نستخلص بعد هذه النقاط المهمة في المقابلة إننا - والحمد لله - يقودنا ليس فقط رجل سياسة، بل رجل اقتصاد أيضا، حيث التحدث بلغة الأرقام والخطط والمبادرة هي اللغة التي يريدها العالم اليوم، وهو الأسلوب الوحيد القادر على نهضة الأمم. لم يعتاد شعب المملكة الخطابات الإيديولوجية، سواء الدينية أو الاشتراكية او القومية، بل منهج المملكة ثابت وواضح للجميع، وبعد هذا الخطاب اتضح أنه حتى عندما وضعت المملكة خططا جديدة ورؤية للمستقبل لم تستخدم هذا الأسلوب.

لا شك أن المملكة تطورت بشكل سريع جدا في خلال السنوات العديدة الماضية، خاصة القاعدة الرقمية، وجاهزيتها لـ«وباء كوفيد-١٩»، التي أبهرت العالم بها، وسبقت بها دولا عظمى.

وكما صرح سمو ولي العهد: «بلا شك أننا نقلق ونشيل هم، ونعمل على تجاوز هذا القلق والهم بالتطور، ولكن أعتقد أن الخوف ليس موجودا في قاموس السعودي».

ونحن نؤكد كشعب سعودي خطانا ثابتة، وثقتنا في حكامنا لا تهتز، بل تزيدنا حبا وإصرارا، مضينا وسنمضي في العز والعزم معكم.