الوقت كالسيف إن لم تقتله قتلك! Time is Money!

منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، عملت الدولة على تقسيم العمل بشتى أنواعه وتوزيعه بين عدد من الجهات الحكومية، ولعل من أهم ما عنيت به الدولة رعاية الشباب (وكذلك الفتيات)، فأوكلت مهام الرعاية للشباب من الناحية الثقافية والرياضية والترفيهية للمؤسسة العامة لرعاية الشباب، وأما التربية والتعليم فيبقى تابعاً لوزارة التربية والتعليم، والصحة لوزارة الصحة، وهكذا، ليبقى السؤال، هل نجحت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في رعاية الشباب؟

مع محدودية النشاط الرياضي والتربية الرياضية في المدارس للبنين وانعدامها بالنسبة للفتيات، لا يبقى للشباب إلا خيارات محدودة، بين الذهاب للاستراحات، وهو الغالب، أو للأسواق ولكن ليس للتبضع، أو بالدوران بالسيارات، مما يزيد من مستوى وحجم الازدحام في الشوارع، أو البقاء في المنزل وحدهم أو مع زملائهم، وذلك بالتجول بين القنوات الفضائية أو اللعب بالألعاب الإلكترونية السلبية (لا حركة رياضية)، أو السفر عبر الطرق البرية أو الجو نهاية الأسبوع للدول القريبة لممارسة أنشطة سياحية وغيرها، وكل ذلك وغيره من الممارسات الشبابية يشير إلى مشكلة فراغ يعانيها الشباب، وبشكل أكبر الفتيات، مشكلة قد تأخذ أبعاداً وتأثيرات اجتماعية ونفسية وأمنية واقتصادية.

ومما يزيد من مشكلة الفراغ بين الشباب مشكلة تفشي وانتشار البطالة، التي تزيد من وقت فراغ الشباب من ناحية، والأخطر أنها تمثل عامل ضغط سلبي على الشباب وقد تؤدي بهم إلى ممارسات وعادات سلبية إما لكسب المال أو بهدف إضاعة الوقت.

قي مقابل هذه المشاكل الأمنية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية نتيجة فراغ الشباب (وكذلك البطالة)، نرى مبادرات ومحاولات مشجعة نوعاً ما للتعامل مع سد جزء من فراغ الشباب. فعلى سبيل المثال، تقوم أمانات بعض المدن بإنشاء مجمعات صالات رياضية تحتوي على ملاعب صغيرة لكرة القدم والطائرة والتنس الأرضي ومضمار للجري، وهي خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح، رغم ما يعتريها من بعض العوامل السلبية مثل عدم وجود متخصصين للإشراف على الأنشطة الرياضية وعدم وجود مراقبين لضمان عدم وجود ممارسات سلبية بين الشباب، كما أن هذه الصالات متاحة فقط للشباب دون الشابات. ونفس القول ينطبق على الجامعات السعودية التي وفرت صالات رياضية مختلفة الأغراض لطلاب الجامعة في الفترة المسائية، وهي أيضاً خطوة جيدة، ولكن مرة أخرى بدون وجود متخصصين للإشراف والمراقبة، وهو إجراء مطلوب وخصوصاً في ظل وجود أطفال دون سن الثامنة عشرة. وهناك أيضاً صالات وأندية خاصة متاحة للشباب مقابل رسوم عالية نوعاً ما مقارنة بمستوى الدخل لدى الأفراد.

في مقابل وفي ظل هذه الجهود من عدة جهات حكومية، أمانات المدن والجامعات، إضافة للقطاع الخاص، لا نرى أي مبادرات أو جهود ملموسة مادية ومؤثرة للرئاسة العامة لرعاية الشباب فيما يخص رعاية الشباب وليس رعاية كرة القدم!

من الواضح تركيز رعاية الشباب على الأنشطة الكروية، وخصوصاً كرة القدم، وهو تركيز أدى إلى تحول الأندية الرياضية بمختلف درجاتها، الممتازة والأولى والثانية والثالثة، إلى التركيز أيضاً على كرة القدم بشكل أساسي وعلى بعض الألعاب الأخرى مثل كرة الطائرة أو اليد بشكل ثانوي، وأما خدمة المجتمع والشباب فلا أمل ولا رجاء.

عندما ترى أي لوحة لأي ناد رياضي سوف ترى أنها تشير صراحة إلى كون النادي يخدم المناشط الثقافية وليس الرياضية فقط وأنه يخدم المجتمع والشباب.."نادي رياضي اجتماعي وثقافي..."، مما يؤكد ما أشرنا إليه في المقدمة بأن الدولة حفظها الله قد أنشأت هذه الأندية والكيانات ليس لأي شيء ولكن لخدمة الشباب، مما يثير تساؤلات حول ماهية أسباب عدم تحقق الأهداف الحقيقية والوطنية للأندية الرياضية!

أربع وعشرون ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وأكثر من (8) آلاف ساعة في السنة الواحدة قد تضيع على كل شاب وشابة، أو أكثر من (100) بليون ساعة قد تضيع على شباب وشابات المملكة سنوياً، وعندما نحول هذه الساعات إلى أرقام مالية سواء في التكاليف المباشرة أو ضياع الفرص البديلة أو فقدان قدرات بشرية أو توجه هذه القدرات لمجالات بديلة قد تكون ضارة لهم وللمجتمع، فالأرقام قد تكون فلكية ومخيفة.

وللتعامل مع هذه المشكلة، قد يكون من المناسب العمل على عدد من المحاور، منها على سبيل المثال:

1. تقييم وإعادة النظر في دور ومسؤولية الرئاسة العامة لرعاية الشباب نحو الشباب والمجتمع، مع وضع أولويات واحتياجات المجتمع الرياضية والتربوية كأهداف أساسية لرعاية الشباب.

2. إعادة النظر في دور وزارة التربية والتعليم فيما يخص مسؤوليتها في تحسين المستوى البدني والرياضي للطلاب والطالبات، وهذا يتطلب تغييرا جذريا في منهجية الوزارة في تخصيص ساعات في التربية البدنية وبشكل نوعي وعلمي وليس كما هو ممارس في الوقت الحالي، مع توفير هذه الأنشطة للجنسين على حد سواء.

3. إتاحة المباني المدرسية في مدن ومناطق المملكة في الفترة المسائية للطلبة والطالبات وكخدمة للحي وذلك لإقامة أنشطة رياضية وميدانية، وخصوصاً خلال فترة نهاية الأسبوع، وتحت رقابة وإشراف من متخصصين، وهي ممارسات عالمية.

ومرة أخرى، الاستثمار الأمثل في الإنسان يبدأ من الاستثمار الصحيح في الأسرة والأطفال، التعليم والتربية النفسية والاجتماعية والبدنية على حد سواء، استثمار يضمن ويقود الوطن إلى الرقي والعلا والتفوق والمنافسة العالمية، فهل نعمل على ذلك؟