أن تكون قنوعا بما رزقك الله به، من عائلة وحياة كريمة وسعة رزق، ذاك سلوك محمود. أن تكون الزوجة قانعة بما رزقها الله من نعم الزوج، والذرية الصالحة والحياة الهادئة، فلا شك أنه سلوك جيد وصفة رائعة.

لكن أن تكون طموحا فهذا شىء آخر. الطموح هو التطلع دائما للأفضل.

النظر لما بين أيدينا من نعم ومحاولة استعمالها والإفادة منها، وليس العيش بإمكانية واحدة من كم الإمكانيات، والنعم والهبات التي منحها الله إيانا.

أن يقنع الإنسان بنعم ليس له دخل فيها يعتبر ذلك جيدا. ولكن لابد أيضا أن يقتنع بأن هذه النعم لابد وأن تنمى، وتستغل لصالحه ولصالح من حوله.

ليس عيبا أن يسعى الإنسان لزيادة دخل أو علم، أو تنمية موهبة في أي سن وتحت أي عمر، بدلا من حياة تملؤها الرتابة والروتين القاتل، أسلوب حياة كثير من البشر حولنا، وفي مجتمعاتنا التي تحولت بين يوم وليلة لشعوب مستهلكة فقط، إنتاجها ضعيف وتطلعاتها لا تناسب ما تقوم بفعله، ومن ثم تلوم غيرها دائما.

من يحاول تطوير نفسه والوصول بها إلى الأفضل، هو من يستمتع بنعم الحياة ويقدر قيمتها، ويأخذ بيد كثير ممن حوله، عن طريق القدوة التي يقدمها كي يكونوا بالتالي أناسا طموحين ومنتجين، يؤمنون بضرورة رفع مستواهم المادي والعلمي والفكري. الرضا بما أنت عليه يجب ألا يمنعك من المحاولة والجهد، والعمل كي تكون الأفضل. وهناك فرق بين السخط العقيم، الذي ينتقد صاحبه دائما أحواله وأحوال من حوله، دون محاولة أن يرقى ويعمل كي يرقى بمستواه، وينتظر دائما من يفكر له أو يمد له يد العون، وبين الذي يسعى ويعمل ويشارك كي يصل إلى الأفضل، حتى في ظل الإمكانات المحدودة.

دائما ما يعطي لك الخالق عز وجل، في كل نقص حلولا كثيرة للزيادة، إذا أمعنت قليلا بفكرك وجهدك وتدبرت، قد تجد بين يديك كنوزا لا حلول فقط. لا يوجد على هذه الأرض إنسان فاشل، بل فقط بشر لم يتعرفوا على قدراتهم ولم ينموها، متخذين من سياسة التواكل منهج حياة، تركوا عقلهم جانبا وعاشوا كالأنعام.

الفرق بين البشر وغيرهم هو «الأمانة» التي عرضت على الجبال والسموات، وأبين أن يحملنها وحملها الإنسان. أمانة العقل والتمييز والتفكير، والتدبر وإيجاد البدائل والتخطيط، بل والتنفيذ.

وجد كي يعطي أفكارا، ويقترح حلولا لا أن يفكر فيما بيد الآخرين خلقنا الله بقلوب مؤمنة بقدره وعطائه، نحن الذين نملؤها حقدا على الغير «لماذا هؤلاء لا أنا».

سؤال منذ بدء الخليقة بين قابيل وهابيل، لم ينظر القاتل منهما إلى نعم الله عليه، ونظر إلى ما بيد أخيه، حتى بعد قتله لم يدله عقله المحدود كيف يدفن أخاه، حتى جاء غراب وعلمه كيف يواري سوءة أخيه.

العمى الذي ينتج عن الحقد يفسد على الإنسان كثيرا من نعم الحياة. لابد ألا ينتظر مبادرة غيره كي يغير من حاله. يبدأ بالبحث عما بداخله من ثروات لا توجد لدى غيره.

التفرد والبصمة التي بداخل كل منا ولا توجد لدي غيره. كل منا يحمل طاقات وإبداعات، لابد أن نكون قانعين أنها لابد وأن تغيرنا، لا أن نقنع بأن حالنا لن يتغير، الفرق في القناعة بين الحالتين قد يكون قاتلا لنفس، ويحيى أخرى.

لم يولد إنسان محظوظ وآخر بدون حظ. ولد إنسان مجتهد، وفر لأبنائه سبلا كريمة للعيش، وارتقى بعقله وفكره، وآخر آثر القناعة الزائفة بضيق الحال. لابد أن نغير نظرة الاندهاش والإعجاب، لمن هم استطاعوا أن يبرزوا إمكاناتهم وعملوا ليل نهار. لنظرة اقتداء وعمل لا غل وحقد.

سيحاسب الإنسان عن عمره فيما أفناه. لابد أن يكون مستعدا للإجابة على هذا السؤال الصعب.

لا يوجد في الحياة قيد يسمى قيد العمر قل أم زاد. لا يوجد في الحياة ما يسمى بالحظ. الاجتهاد في النهل من العلم والعمل والعبادة، التوكل وليس التواكل لآخر لحظة من العمر العبادة التي في أصلها عمل. التفكر جيدا في الآية الكريمة «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».

تجد أن معنى العبادة تلخص في العمل، ليس النوم والراحة والتواكل والانتظار. الحرص على العبادة في حد ذاته عمل ومثابرة ومشقة.

وتعود على الجهد، الذي عندما يوجد يقل وينعدم الكثير من العقبات، التي نظن أنها موجودة، ونسعد أيما سعادة عندما لا نرضى بها ويقودنا طموحنا إلى عبورها، ونيل ما نتمناه ونحظى بالقناعة الحقيقية بإمكاناتنا، ورضا ربنا عز وجل عما نعمله وتوفيقه لنا. .