في الفترة الأخيرة عتبت (وتشرهت) على بعض الإخوة والزملاء ممن عاشوا في الغرب ويعرفون الثقافة الغربية ويجيدون التعامل مع الغرب وأيضا اللغة، وكنا نقول لم لا يكون لكم مجهود في الدفاع عن الوطن والردود على الحملات الغربية، أو على الأقل تبيين الصورة الصحيحة ووضع الحقائق، وبعدها ترك الحكم للمتلقي لمعرفة ما يدور؟ وبعد بعض النقاشات وجدت أن البعض متردد لسبب غريب وهو ليس خشية من الميديا الغربية أو كسلا ولكن بسبب بعض (ربعنا) في السوشيال ميديا!

كيف ممكن أن بعض الأصوات في التواصل الاجتماعي تمنع بعض الأصوات السعودية الأخرى من الدفاع عن الوطن؟! يبدو أن الموضوع فيه شيء خاطئ! لكن مع الشرح تتضح الصورة.

في بعض النقاش المحلي والعربي (إذا جاز تسميته نقاشاً) عموما هناك ملاسنات وهجوم كلامي من الأطراف، إما مع أو ضد، وهذا يحشد أصواتا والآخر يرد عليه، وإلى حد ما يجوز أن يقال للخصم إنه (كله على بعضه غلط) (وما يفهم) ويشبه بعض الأحيان صراع الديكة والضجيج، ويمكن أن تنحدر الأمور إلى أسوأ من ذلك من باب (غبي) و(تخسي وتعقب) الخ..، هذا طبعا أخلاقيا غير مقبول والواحد يترفع عنه لكن هذا هو الواقع، وهكذا تدار بعض الأمور في السوشيال ميديا.

نأتي بالجهة الأخرى إذا أردت الرد على بعض الأصوات والحملات الغربية، خصوصا عندما تتحدث لإعلامي أو باحث فالمعتاد في طريقة الرد أن تبدأ بجملتين تقريبا وهي (احترم رأيك في الموضوع ولكن اختلف معك..وتسرد رأيك....الخ ) أو جملة (أقدر رأيك ونعم قد تحدث بعض الأخطاء غير المقصودة ولكن للنظر للحقائق والصورة الكبرى... وتسرد رأيك....الخ)، في طريقة التعامل حتى لا تقطع الرابط مع المحاور أو المتلقي الغربي، تبدأ بهكذا جمل ومن ثم تسرد وجهة نظرك والحقائق أو الأحداث التي تريد طرحها. الآن نأتي للمشكلة الكبرى.. تصور أن يأتي أحدهم من ربعنا المحليين سواء بحسن أو سوء نية ويقتص (ويجتزئ) من الجمل السابقة، ويترجم للعربي عبارة (أحترم رايك) أو عبارة (أقدر رأيك ونعم قد تحدث بعض الأخطاء)، ومن ثم ينشر في السوشيال ميديا أن هناك من يهاجم السعودية من الغربيين، وأن فلانا من الناس يتعاطف مع الهجوم ويقول إنه يحترم رأي هذا الغربي الأفاق الحاقد الخ..، ثم يأتي البعض (مع الخيل يا شقرا) ويبدأ الهجوم وهاشتاقات ومسبات وهم يفعلون كمن يقرأ (لا تقربوا الصلاة) ولم يكمل الآية.

دائما ما نقول الموضوع ليس موضوع ترجمة فقط، بل كيفية التفكير والعقلية الغربية وكيفية إقناعها بالطريقة التي تفهمها، لو ترجمت بعض الكلام المحلي وطريقة التفكير المحلية للإنجليزي حرفيا لما استطعت إقناع أحد، ولو كانت الترجمة الحرفية تنفع لترجمنا (الشيلات) يوميا للسياسيين الغربيين ولقادة الإعلام الغربي!

للأسف بعض المتحمسين أو بعض المتلونين يعرقل الردود والإقناع والحجج على الحملات والأصوات الغربية، وقد يكون الشخص في خضم نقاش عقلاني مدعم بالحجج والأرقام والتاريخ، ويبدو أن الآخر يبدأ في الاقتناع، وفجأة تلقاه دخل على الخط أحدهم وحط شيلة، أو تكلم كلاما غير مقبول ترجمه حرفيا من غوغل ويعطي تصورا سيئا عند المتلقي، وإذا قلت له كن أكثر منطقية واتزانا في ردودك تجده يرد: (ما عليك منه ولا زما العايل زمينا) الخ.

هذا إذا تكلمنا عن الأصوات الغربية العامة فما بالك عندما تتكلم مع باحث أو إعلامي غربي أو أحد أعضاء مراكز الفكر، فاللغة وطريقة الإقناع تكونان أكثر دقة وعمقا وربما تحتاج لتتكلم اللغة المؤسساتية التي لا يجيدها إلا أعداد قليلة.

احتياجنا الآن لإيصال أصواتنا والصور الحقيقية عن السعودية الجديدة أهم من أي وقت، لكن الرسالة لا تنقل بسبب قلة القادرين على إيصال الرسالة، هذا غير الفرص المهمة التي يتم تضييعها بكثرة بسبب قلة الأدوات الإعلامية الصحيحة! وسأضرب مثالين حيين قريبين!

مقتل الدبلوماسية السويسرية المسؤولة عن المصالح الأمريكية في طهران، مر الموضوع مرور الكرام على الإعلام، تصور لا قدر الله لو حصل شيء مشابه في المملكة، ماذا ستكون ردة الإعلام الدولي والأخبار على مدار الساعة.

فرصة أخرى أيضا الحقائق التي تكشفت بخصوص ادعاء تهكير هاتف جيف بيزوس والمؤامرة التي دبرت لتصريف الانتباه عن فضائح بيزوس، لو تم التفاعل مع الموضوع بالأدوات المحترفة المطلوبة لأصبح حديث الإعلام العالمي، لكن للأسف كان هناك رد محلي موسع ورد دولي أقل من المأمول، وكأننا نتكلم لأنفسنا مع أننا كنا على ثقة من الأول بعدم تورط المملكة، السعوديون مقتنعون مِنذ البداية فلا نحتاج زيادة إقناع بل نحتاج أن يعرف العالم الحقيقية بشكل شامل بدلا من أن نردد صدى أصواتنا في إعلامنا المحلي.

الفرص تتوالى بل حقائقنا وأرقامنا يمكن أن تتكلم عن السعودية كأقوى أدوات الإقناع لكن لا توجد أدوات محترفة للتوصيل.

ادعموا أدواتنا المحترفة التي تعرف التواصل الفعال مع الآخر وستصلون لنتائج باهرة.

قبل فترة أحد الأصدقاء في أحد البرامج الأجنبية الشهيرة الشرسة أدى أداء أكثر من رائع في تبيان وجهة النظر السعودية رغم محدودية الأدوات، فما بالكم إذا كان لديه هامش مناورة أكبر، أطلقوا الأجنحة لبعض العارفين، وقد يحق للباحث أثناء التواصل مع الإعلام ومراكز البحث الغربية ما لا يحق لغيره، وربما التطرق لبعض المواضيع الحساسة، أن يتطرق إليها ويصيغها سعودي وطني أفضل، من أن يتطرق لها ويصيغها للإعلام أحد أعضاء اللوبي الإيراني مثلا. إن الإجابات المعلبة التي قد تقنع الإعلام المحلي لكن ليس لها أثر كبير على الميديا العالمية ومراكز الأبحاث والتي تحتاج طريقة إبداعية محترفة، أتمنى من صاحب القرار أن يدعم أدواتنا الإعلامية الخارجية، ويعطي مساحة حرية ومناورة أوسع لبعض أصواتنا لكي تكون رسالتنا أكثر احترافاً ووصولا وتأثيراً وليس كلاما معلبا مرصوصا ومسموعا سابقا. أيضا يجب حماية هذه الأصوات من بعض أفعال الغوغاء، للأسف هناك بعض المجموعات المحلية التي توثر على بعض أصواتنا الواعدة عالميا، أما مجموعة من الجهلة المحليين الذين لا يفهمون كيف تدار الأمور دوليا ويريدون الهياط والمزايدات كأنه الوطني الوحيد في الكون ويتبعه بعض الجهلة، أو البعض للأسف لديه عقدة ويريد تحجيم الأصوات السعودية الدولية لأنه يشعر ببعض الغيرة من تبوئها مكانة مقربة عند صانع القرار، بينما هو لا يملك المهارات والخبرة اللازمة للتحدث والإقناع الدولي، فهو يجيد الطريقة المحلية ومرتاح عليها، ويستمتع بالتملق المحلي لكن لا يريد أن يسحب البساط منه من خلال أصوات عالمية، لذلك يحاول التحجيم وربما التعطيل، أعتقد أن المحاور والباحث السعودي ذي الفكر الدولي عملة نادرة فيجب دعمه ومساندته وأيضا إعطاؤه مساحة وهامشا للرد والمناورة، وكما يقول المثل (ارسل حكيما ولا توصه)، وأيضا يجب حمايته من الغوغاء، فربما يستخدم تكتيكات معينة لا تكون مألوفة بالأسلوب المحلي، لكن لكل ثقافة طريقتها ومفاتيحها، ولا يتم اجتزاء شيء من أحاديثه وترجمته ومهاجمته كأنه يتحدث لبيئة محلية، بل لكل مقام مقال وطريقة وأسلوب.