«إنفلونزا الطيور – فيروس كورونا – الصاروخ التائه - بروق ورعود على مدينة ووهان – ثلاثة فهود مفترسة تتجول في شوارع الصين»، من يقرأ هذه الأخبار دون التعمق في التفاصيل، سيقول بأن التنين الصيني سيحرق العالم بنيرانه.

لو فكرنا لوهلة في مضامين تلك الأخبار سندرك بأنها - جميعها - تتجه نحو سلة الأخبار السيئة عن الصين، وكأنهم يريدون إيصال رسالة ضمنية، بأن جميع مشاكل الكرة الأرضية سببها بلد المليار ونصف المليار.

شيطنة الصين ووضعها في إطار لونه قاتم، لم يأت بسبب تتابعية الأحداث السلبية الصادرة عنها، بل هو عمل ممنهج. فمجرد تتبع الواقع ندرك أن هناك أحداثا مماثلة في كل قارات العالم، لكل نوع من تلك الأخبار السيئة. ولكن تسليط الضوء وتضخيم الحدث، وترسيخ مرجعية مصدر الحدث في كل مرة، لا تتم إلا مع الصين مؤخرا بمناسبة أو بدون.

جذور تلك الشيطنة تعود خلفيتها التاريخية للصراع الأزلي، بين الرأسمالية والشيوعية، وتحديدا بين أمريكا والصين. فنجد أن بلاد العم سام والتي ترى في الصين منافسا اقتصاديا مزعجا وشرسا لها، تحاول بشتى الطرق وبأساليب دعائية متنوعة الضرب في سمعة الصين، وتشويه صورتها الذهنية، خصوصا أن ذلك التوجه الأمريكي لا يقابله رد فعل مماثل إعلامي أو دبلوماسي من الصين.

ولعل الساسة الأمريكان هم من رسخوا هذه الفكرة في الأذهان، ولنا في الرئيس الأمريكي الأسبق ترمب مثالا، حين كان يجيب على الكثير من الأسئلة التي تواجهه في المؤتمر الصحفي بـ «اسأل الصين»، بمعنى آخر كأنه يقول إن الفيروس «صنع في الصين». كلمة الرئيس الأمريكي تلك التي قالها في قلب البيت الأبيض، عززت أسلوبا حديثا في نظرية التأطير، وهو القالب الكوميدي الساخر.

فهذه النظرية تدور فكرتها بأن توضع للمتابع سلسلة من الأخبار، التي تهدف إلى صرف نظره نحو هدف محدد مراد تأطيره، ووضعه في قالب من قبل الوسيلة الإعلامية عبر رسائلها. ومع إضافة عنصر السخرية فإن حجم التأثير سيكون مضاعفا، وأكثر شعبوية وانتشارا، علاوة على ديمومته بين شرائح المجتمع المتعددة حتى قد تصل للأطفال. فمثلا نجد في المجال الرياضي لا تزال كلمة «الجحفلة» حاضرة في أذهان المشجعين رغم مرور أكثر 6 سنوات عليها، من خلال تأطير تلك الكلمة عبر سلسلة من المقاطع الساخرة. وسياسيا، أصبح دارجا مصطلح «كله من الصين» واقتصاديا الأمثلة عديدة لشركات متداول اسمها، بعبارة «إذا طلبت من....» واجتماعيا «الأفلام العالمية حينما تصور السائح الخليجي المبذر».

ولكن في الجانب الآخر البعيد عن تلك النظرية والمغيب إعلاميا بقصد، فإن الصين خلال الفترة القليلة الماضية، دشنت 3 أضخم سفن عسكرية في العالم، وأعلنت عن نجاحها في إنزال روبوت على سطح المريخ، وفي جانب الصناعات، السيارات الصينية عالميا في قائمة أكثر السيارات استخداما. كما يغيب عن أذهان الكثير أن العديد من التحليلات الاقتصادية، تتنبأ بأن اقتصاد الصين سيصبح الأول خلال العشر سنوات القادمة. قبل الختام لكي تدرك عمق الموضوع وأثر نظرية التأطير، هل تابعت موضوع الصاروخ الأمريكي التائه، كما تابعت صاروخ الصين؟ وأين سقط؟