إن وجود الشرائع والقوانين وما يستتبعها من جزاءات كل هذا يفترض أن الإنسان أمامه خياران، الثواب والعقاب، ولديه الحرية الأخلاقية "الضمير" فأي إنسان إذا ما استيقظ يوما وليس يرهبه عقاب وليس يحرضه ثواب، كيف ستكون أفعاله؟

وهنا يحضرني خير مثال لهذا مقولة تركها لنا العالم الكبير الدكتور مصطفى محمود رحمه الله يقول: "إذا أردت أن تفهم إنسانا فانظر أفعاله في لحظة اختيار حر وحينئذ سوف تفاجأ تماما فقد ترى القديس يزني، والعاهرة تصلي، وقد ترى الطبيب يشرب السم، وقد تفاجأ بصديقك يطعنك، وبعدوك ينقذك، وقد ترى الخادم سيدا في أفعاله والسيد أحقر من أحقر خادم في أعماله، وقد ترى أغنياء يرتشون وصعاليك يتصدقون".

لكل هذا يعد الإنسان مسؤولا عن خياراته الحرة، والحرية الأخلاقية "الضمير" هنا يعني قدرة الإنسان على تحديد تصرفاته بنفسه، تبعا للرؤية التي يتبناها وتكون قدرته على الفعل استنادا إلى قراره الذاتي. على الإنسان إذاً أن يسلك الخير احتراما لقيمته الإنسانية وليس طمعا بثواب أو عقاب. فلا معنى لخيره إذا كان مرتبطا بمصلحة معينة أو خوفا من عقاب أو قانون وهذا هو المحك الذي تختبر عليه إرادة الأخلاق الحرة فذاك الذي كان خيره وضميره نابعا من رهبة من عقاب وأملا في ثواب إنه في حال سقط هذان الدافعان وأصبح حرا له قرار الاختيار هنا تظهر الحرية الأخلاقية ويظهر ضميره الحُر.

وهذا هو معنى الضمير الأخلاقي وفقا لمعايير الخير، فيمارس الشر لأن حريته الأخلاقية دفعته لذلك، ويقدم على الخير لأن جوهره كذلك، فالشر اختيار والخير أيضا، والحر هو من يتوجه فعله نحو الخير.

إن الحرية من بين أكثر المفردات اللغوية جماليةً ووجدانية، لذا استحقت اتخاذها شعارا للحركات الثورية، وقوى التحرر، والأحزاب السياسية بوصفها قيمة إنسانية سامية تنطوي على المطالبة بالحرية الأخلاقية. ولكن غالبا ما نبحث عن الحرية بشكل مبهم وغير مفهوم. إذ إننا لا ندرك معناها الحقيقي، ولا نعي أنها مولودة في داخلنا وعلينا تنميتها وتوجيهها، وهنا يأتي ربط الحرية بالاختيار مشروط بفعل الخير لأنه بوسع الإنسان أن يختار بين فعل الشر أو فعل الخير. وبما أن الإنسان مخلوق حر، فلا بد من أن تتدخّل إرادته في أفعاله في لحظة الاختيار الحرة. فكن حرا حقيقيا.