قد يكون عنوان المقال غريبا بعض الشيء، خصوصا مع رئيس وزراء أختلف معه كثيرا، لكن أعتقد أن ذلك الاختلاف يجعلنا أكثر موضوعية، فعندما نطرح رأيا على شخص لا نتفق معه، فالرأي يكون من دون عواطف.

السؤال الآخر، ما مناسبة إعطاء رأي لرئيس وزراء دولة لا تجمعك معهم أي علاقة؟ الجواب ببساطة، لنا مصلحة معينة سأذكرها لاحقا في المقال !

بنيامين نتنياهو، سياسي إسرائيلي مراوغ ومتمكن وشرس ومحنك في اللعبة الإسرائيلية السياسية وله قدرة فريدة على البقاء، ليس كثير من السياسيين حول العالم يستطيعون النجاة من عدة انتخابات غير حاسمة، كما يحصل معه، فهو سياسي به طمع، ويحاول الحصول على أكثر المكاسب من الجميع سواء ممن حوله أو من الدول الأخرى.

جاءت حرب غزة الأخيرة مؤسفة ومدمرة خصوصا للمدنيين، كانت بين إسرائيل ووكيل ايران في غزة منظمة حماس، ربما الطرفان لم يعانيا مثل ما عانى المدنيون في الجهتين، إسرائيل قصفت آلاف الأماكن في غزة المكتظة وحماس أطلقت آلاف الصواريخ، سقط كثير من المدنيين قتلى وجرحى من الطرفين. الغريب في الموضوع رغم أن الإسرائيليين عمليين في سياساتهم فإن إسرائيل أو بالأحرى نتنياهو أو كما يطلق عليه (بيبي) لم يحاول معاقبة المحرض الرئيس في استمرار هذه الحرب، وهي إيران! فلا شك أن الحرب كانت ستكون أقصر وأقل ضررا على المدنيين والبنية التحتية لولا التحريض الإيراني.

ماذا لو قلنا إن هذه الحرب كانت ستنتهي حتى قبل أن تبدأ لو أن إسرائيل عملت عملا بسيطا، بل يمكن الوقاية من أي حرب مستقبلية، والأهم إيقاف معاناة المدنيين المساكين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحروب !

ببساطة ماذا لو قررت إسرائيل أن أي صاروخ يطلق عليها من حماس فإنها في المقابل ستقصف الأهداف الإيرانية في سورية وغيرها!

وهناك بنك أهداف إيرانية بالآلاف متوفر لدى الإسرائيليين في المنطقة، النتيجة ستكون أن إيران هي من سيكبح حماس عن إطلاق الصواريخ وستحرص على عدم حصول أي قتال، إن إسرائيل هاجمت الذراع وهو حماس وتأذى المدنيون الذين تختبئ حماس بينهم وتركت الرأس وهو إيران، لكن لو تمت مهاجمة الأهداف الإيرانية في كل مرة، فإن العالم لن يقوم بعمل حملات مضادة لإسرائيل، وربما حتى الفلسطينيون أنفسهم سيؤيدون هذه الضربات ويعتبرونها انتقاما لآلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم إيران في سورية، والدول العربية لن تدين ولن تستنكر، وحتى الاتفاقات الإبراهيمية ستكون أقوى، فسيصور ذلك إسرائيل أنها دولة تحارب التخريب الإيراني في المنطقة، وستنقلب الصورة 180 درجة من منتهى الغضب العربي والعالمي على إسرائيل إلى حالة رضا! وإسرائيل ستستفيد من هدوء جبهتها الداخلية وأيضا حماية المدنيين الإسرائيليين.

إسرائيل تعتمد على مبدأ الردع في تعاملاتها العسكرية، لكن في هذه المرة فقدت جزءا من هيبتها، لدرجة أن إيران أرسلت «درون» (من دون طيار) لمهاجمتها، لكن لو كل صاروخ أطلق من حماس كان هناك صاروخ إسرائيلي مثيل له يقصف القوات الإيرانية في سورية وغيرها، لكان مبدأ الردع طبق وفعل بأفضل صوره، إيران لا يهمها حماس أو الفلسطينيين لو مات كل قادة حماس أو دمرت غزه فهم بالنسبة لها مجرد مخلب مستأجر، لكن عندما تحرق النار يدي إيران مباشرة فإنها تعرف حرارة الوضع !

نرجع الآن إلى لماذا يهمنا إعطاء رأي لرئيس وزراء إسرائيل !

أولا: يهمنا حماية المدنيين المساكين من آثار الحرب من الطرفين في غزة المكتظة وأيضا في إسرائيل، لا يستطيع الواحد أن يدين مقتل مدنيين أو أطفال في غزة دون أن يدين مقتل المدنيين في إسرائيل.

ثانيا: لا نريد حربا جديدة أو أن يعاد نفس السيناريو المعتاد في كل مرة، حماس يتم تحريضها من إيران وغزه تدمر والدول العربية تدفع مصاريف إعادة الإعمار، ويذهب جزء من الأموال لقادة حماس وعوائلهم المنبطحين في الفنادق وتستمر معاناة أهل غزه، وتستمر عملية حرق أموال العرب من خلال تدمير وإعادة إعمار لغزه في كل مرة !

ثالثا: يبدو أن إسرائيل تقوم بدور ضروري في مكافحة السلوك الإيراني في المنطقة من خلال العمليات الخفية أو العمليات العسكرية، وهذا في المحصلة ضروري لاستقرار المنطقة من السلوك الإيراني الخبيث، وأن تركيز نشاط إسرائيل على إيران في هذه المرحلة ضروري وأفضل محاولة لإشغال إسرائيل بمعارك جانبية مع حماس وغيرها، خصوصا في ظل انبطاح الإدارة الأمريكية لإيران وأيضا محاولة أمريكا استخدام تكنيك (حضنة الدب) مع حلفائها لإعطاء المجال للسلوك الإيراني.

إذا ظن القادة الإسرائيليون في الهجوم على غزة ومحاولة تكسير بعض رؤوس قادة حماس المحليين أن الموضوع شخصي وتلقين حماس درسا، فإنهم ضيعوا البوصلة، بل إن حماس ستبقى الذيل الإيراني الذي سينمو في وجود العقل المدبر والقادة المستفيدين في الخارج، ولم تلق إسرائيل في هجومها على غزه سوى الإدانات والهجوم الإعلامي العالمي ومجرد تضييع وقت وانحراف عن أصل المشكلة وهي إيران، لكن لو صرفت الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية هذا المجهود في حرب غزه على إيران، ربما كانت النتائج إيجابية أكثر وربما أيقظ الأمريكيين قليلا من وهم تقديم التنازلات، وأن هناك طرقا أخرى لإيقاف البرنامج النووي الإيراني.