قام العاملون في هيئة قناة السويس بعمل جبار في حادثة جنوح السفينة إيفرجيفن. وقد تكلفت عملية الإنقاذ هذه ما يقارب 916 مليون دولار فضلا عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة وتعطل تحصيل مداخيل القناة لمدة أسبوع.

والمعروف أن هيئة قناة السويس تدخلت بناء على الاتفاقية الدولية للإنقاذ البحري لعام 1986، وقد جاء في نص الاتفاقية «البضائع الحكومية والإنسانية ممنوع الحجز التحفظي عليها لحين استيفاء الديون»، ومن هنا فإن هيئة قناة السويس طلبت حجزا تحفظيا مؤقتا لحماية حقوقها مقدم إلى المحكمة الاقتصادية بالإسماعيلية.

ولا شك في أن جنوح السفينة في قناة السويس بهذا الشكل الذي عطل وشل حركة التجارة الدولية عبر البحار شكل حادثة دولية فريدة ترتب عليها العديد من الإشكاليات القانونية، وحيث إن المسؤولية مختلطة في هذه الحادثة، فالمتوقع أننا أمام رحلة قانونية ستكون طويلة الأمد.

سؤال المليون في هذه القصة هو من المسؤول؟ فإن افترضنا أن قائد السفينة أخطأ، فهل كان خطأ الجنوح هو خطأ مهني شخصي منه؟ أم هو خطأ خارج عن إرادته ناتج عن وجود عيوب في السفينة. وهل اتخذ كافة الإجراءات المعتادة عند عبور القنوات المائية؟ وغير ذلك من الأسئلة المهمة للوقوف على حقيقة ما حدث.

إن مثل هذا النزاع القانوني يعرف بالمسؤولية التقصيرية وعناصره متمثلة في الخطأ (الجنوح) والضرر (تعطل الملاحة في القناة)، والعلاقة السببية المتحققة بين كل من الخطأ والضرر.

كما أن المطالب التابعة لهذه القصة كثيرة، فقناة السويس تطالب بكلفة الإنقاذ، وكذلك السفن التي تعطلت وخالفت التزاماتها بعقود التسليم للعملاء في أنحاء العالم لديها هي الأخرى مطالبها. كما أن معظم تلك العقود عليها تأمين بحري فهل تغطي بوليصة التأمين هذا التأخير؟ وفي النهاية فإن تعويضات هائلة بهذا الحجم قد تساهم في إفلاس الشركة المالكة للسفينة وكذلك الشركة المشغلة، ويبقى كل هذا مرهونا بالعقود المبرمة بين جميع الأطراف ومدى جودة صياغتها وشمولها سيناريوهات مشابهة لما جرى في قناة السويس.

يذكر أن السفينة إيفرجيفن لها تاريخ في حوادث الجنوح وهذا بالتأكيد يؤثر في المسار القانوني للقضية، فقد اصطدمت إيفرجيفن في فبراير 2019 بعبارة طولها 25 مترا وألحقت أضرارا جسيمة بها، وكان ذلك في بلانكيزا قرب ميناء هامبورغ بألمانيا، ويبنى على ذلك أنه إن كان قبطان السفينة هو نفسه الذي قام بالجنوح في السويس، فإن هذا يعزز فرضية أن القبطان أو طواقمه ينقصهم التأهيل ويعد هذا إهمالا يدخل في (المسؤولية التقصيرية)، كما أنه يدخل فيما يسمى قانونيا (مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه)، فالشركة مسؤولة عن خبرات وكفاءة عمالها.

وفي العموم، فإن قضايا القانون الدولي على غرار جنوح السفينة تتدخل فيها أحيانا الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية بين الدول، إلا أنه من المؤكد أن هذه الحادثة الدولية سوف ينتج عنها منتجات تأمين بحري جديدة لتغطية تكاليف حوادث مشابهة، ولطالما كانت الحوادث الدولية المستجدة مصدرا من مصادر تطوير النظم والقوانين الدولية.