تشرفت بالظهور في برنامج «mbc في أسبوع»، السبت الماضي، مع الإعلاميين الرائعين (تغريد الهويش، وعلي الغفيلي)، للحديث حول التغييرات التاريخية في مناهج التعليم، ولضيق الوقت في البرنامج، أحببت بسط الحديث هنا على صدر صفحات «الوطن»، فأقول: إن التعليم أحد أهم أسس التنمية، ومؤثر رئيس على المستقبل للدول والمجتمعات والأفراد، وهو من أهم الملفات التي ستغير وجه وملامح السعودية، إذ تتضمن المنظومة التعليمية، البنية التربوية ومكوناتها ومراحلها، وتؤدي هذه المنظومة دورا هو الأساس في التنمية الشاملة بمختلف معطياتها ونواتجها.

وقد أكد وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ قبل أيام، بحسب صحيفة الوطن (العدد: 7468): «أن مشروع تطوير النظام التعليمي يمثل المرحلة الأولى لعمل مستمر يشارك فيه الجميع؛ لصنع مستقبل أفضل لأبناء وبنات الوطن، الذين يستحقون نظاما تعليميا يحقق أحلامهم وطموحاتهم، من خلال: »تطبيق خطط دراسية مطورة تتسق مع متطلبات مرحلة تطوير المناهج، وإدخال مناهج جديدة«، مبينا أنه سيتم تضمين مواد جديدة، وتطوير المناهج وتقديم تدريس مواد أخرى؛ بناء على احتياج كل مرحلة وفصل دراسي، وأشار معاليه، إلى أنه على مدى عامين من العمل المتواصل في الوزارة، وبناء على دراسات متأنية؛ تم التوصل إلى نتيجة رئيسة من أن نظام التعليم الحالي يحتاج إلى تطوير حقيقي وعميق.

وجاء إعلان هذه التغييرات بعد نجاح باهر للتعليم في تجاوز أصعب مرحلة مرت بها البلاد من بدايات تأسيس وزارة المعارف في عام 1953، ومن خلال منجزات وأرقام مكنتها لتكون أحد أفضل أربعة نماذج عالمية في التعليم عن بعد.

وقصة استعادة التعليم السعودي من اختطاف جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على مدى ستة عقود، حكاية أسطورية يجب أن تروى، ولروايتها ينبغي أن تبدأ من بداية النهاية لهذا الاختطاف، حينما تعهد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- أيده الله- في مقابلة شبكة»CBS«الأمريكية، برنامج»60 دقيقة»، في مارس 2018، بالقضاء الكامل على ما تبقى من فكر جماعة الإخوان المسلمين في مدارس السعودية، وأكد مضيه في اجتثاث كل من ينتمي لهذا الفكر أو يتعاطف معه خلال فترة قصيرة، وبعدها شرعت وزارة التعليم في إعادة صياغة مناهجها التعليمية لمحو أي تأثير أو أثر لجماعة الإخوان المسلمين فيها، كما أنها عملت على إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة، في أي منصب بالقطاع التعليمي.

لم تكن المهمة يسيرة، فهذا الفكر متغلغل في مفاصل التعليم منذ ما يزيد على ستين سنة، والذي يمكن أن يختصر بالتالي: فبعد فرار كثير من أفراد وقيادات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية من وجه الرئيس المصري جمال عبدالناصر إلى السعودية، بنت المملكة علاقات جيدة مع أفراد من الجماعة، وليس مع التنظيم ذاته، وكانت السعودية في سعيها إلى استقطابهم تروم مساعدة من ظنت أن فيهم خيرا ووفاء، ومن هنا فتحت لهم مجالات واسعة للعمل وخصوصا في التعليم بصفتهم الشخصية، وليس بصفتهم التنظيمية، وحظرت عليهم تماما العمل السياسي والتنظيمي، الذي يضر بمصالح السعودية الداخلية في مجتمعها، ومصالحها الخارجية في علاقاتهم مع الدول الشقيقة، غير أن الجماعة الإرهابية كان لها رأي آخر فسعت عبر كوادرها إلى السيطرة على المتاح أمامهم، وكانت الفرصة مواتية لاجتياح التعليم والانتشار السرطاني فيه بهدف الوصول عبره إلى أبعد نقطة ممكنة داخل المجتمع السعودي، وهذا لا يمكن إلا عبر التعليم، والتعليم فقط، فانتشرت كوادر الجماعة في مفاصل التعليم، وصنعوا مناهجه ونظامه، ونشروا فيه كوادرهم وكتبهم وأفكارهم، وكانت حصة الإخوان في التعليم تزداد مع الوقت، فعملت في الجامعات السعودية أهم الشخصيات التاريخية في الجماعة مثل: المصري علي جريشة، والسوري محمد المجذوب، والمصري محمد قطب، والمصري سيد سابق الذي رأس قسم القضاء في جامعة أم القرى، والمصري محمد الغزالي الذي رأس قسم الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى، والمصري مناع القطان الذي رأس قسم الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمصري محمد الراوي الذي رأس قسم التفسير فيها، مع وجود السوريين عبدالفتاح أبو غدة ومحمد أبو الفتح البيانوني ومحمد أمين المصري للتدريس في التعليم العالي، وغيرهم كثير، وجميعهم من الشخصيات الإخوانية القيادية.

وعلى الرغم من انتشار أعضاء جماعة الإخوان في مختلف إدارات ومدارس التعليم، لم تقرر كتب حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب وغيرهم، في المدارس السعودية إلا حينما تولى كمال الهلباوي، القيادي الإخواني المنشق، منصب رئيس لجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة المعارف ما بين عامي 1982 و1987، وخلال هذه الفترة أدخل الهلباوي أهم أدبيات جماعة الإخوان النظرية للمدارس، وتمت طباعة هذه الكتب وغيرها على حساب الوزارة وتوزيعها بالمجان على الطلاب.

ومع تنامي المد الصحوي في الثمانينيات، كانت تجري بعض المعارك حول المناهج التعليمية، ولكن ظلت المناهج محافظة على محتواها ولم يقبل حراسها المساس بها لا بالتغيير ولا بالتعديل، بل بدأ حراك من نوع آخر، وهو ضرورة المحافظة على هذا المنجز باعتباره منجزا، بدلا من المطالبة بأي تطوير أو تغيير.

ومع مطلع التسعينيات وما تبع أزمة الخليج الثانية 1990 من أحداث وتداعيات، أحدث التيار الصحوي ضجة كبيرة، باعتبار أن هناك هجمة لتغيير المناهج التعليمية وتطويعها، خصوصا بعد حذف أحد المناهج في المرحلة الثانوية، لاشتماله على عدد من القضايا التي لم تكن مقبولة، كالتكفير، وشهد هذا الأمر جدلا صحفيا امتد سنوات، ويعد ذلك أول جدل علني على وسائل الإعلام فيما يتعلق بالمناهج وتطويرها أو نقدها.

ولكن المنعطف الأهم، والذي أثار القفزة الكبرى في قضايا التعليم والمناهج، هو أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ بدأت عملية حوكمة للمناهج عبر الأوساط والوسائل الثقافية والإعلامية، لإعادة النظر في المقررات الدراسية، وتنقيتها من النزعات التكفيرية، وضبط منظور فقهي تجاه التعامل مع الآخر، الأمر الذي أثار الصحويين بشدة، حتى جاء العهد الجديد لخادم الحرمين الشريفين- أيده الله- وبسعي حثيث من لدن سمو ولي عهد الأمين، والذي أعاد العربة إلى قارعة الطريق من جديد في كل أمر سعودي.

أخيرا، ولاستكمال استعادة التعليم من الاختطاف، لا بد من التوسع في مسألة تدريس الفلسفة والموسيقى والفنون الجميلة، وإدخال الحصص الرياضية البدنية في مدارس البنات، وسرعة إقرار دمج الصفوف الأولية، وإسناد تدريسها للمعلمات.